للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقيل: لما نزلت: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ} قالوا: لا يحل لأحد منا أن يأكل من أحد، فأنزل الله تعالى: {وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ} والمعنى: ولا عليكم أيها الناس حرج، ولكن لما اجتمع المخاطب وغير المخاطب غلّب المخاطب لينتظم الكلام. وذكر بيوت القرابات، وسقط منها بيوت الأبناء، فقال المفسرون: ذلك؛ لأنها داخلة في قوله في بيوتكم؛ لأن بيت ابن الرجل بيته، لما جاء في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم للرجل الذي شكا إليه أباه، وأنه يأخذ ماله: «أنت ومالك لأبيك». وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أطيب ما يأكل المرء من كسبه، وإنّ ولده من كسبه».

هذا؛ وقال العلماء: الأكل من بيوت المذكورين إذا أذنوا في ذلك، وقال آخرون: أذنوا له، أو لم يأذنوا فله أن يأكل؛ لأن القرابة التي بينهم هي إذن منهم، والمعتمد: أن الإذن شرط في حل الأكل في هذه الأيام؛ لأن بعض النفوس لا تسمح حتى للإخوة، والأخوات، وذلك ملموس عند كثير من الأشحاء.

{أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: عنى بذلك: وكيل الرجل، وقيّمه في ضيعته، وماشيته، لا بأس عليه أن يأكل من ثمرة ضيعته، ويشرب من لبن ماشيته، ولا يحمل، ولا يدخر. وقيل: يعني: بيوت عبيدكم، ومماليككم، وذلك: أن السيد يملك منزل عبده. هذا؛ ويقرأ «(مفتاحه)» وقرأ سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: «(مفاتيحه)» وعلى قراءة «(مفاتح)» يكون قد حذف منه عند الجمع الألف التي تقلب ياء في صيغة منتهى الجموع، كما تقول في مصباح: مصابح، وفي محراب: محارب، والمفتاح: آلة الفتح، كالمفتح. وقيل: مفاتح جمع: مفتح أو مفتح، ومفاتيح جمع: مفتاح.

{أَوْ صَدِيقِكُمْ:} يعني: أو بيوت صديقكم، كان الرجل من السلف يدخل دار صديقه، وهو غائب، فيسأل جاريته كيسه، فيأخذ ما شاء، فإذا حضر مولاها، فأخبرته، أعتقها سرورا بذلك، فأما الآن؛ فقد غلب الشح على النفوس، فلا يأكل الإنسان إلا بإذن. هذا؛ والصديق هو من يصدقك في مودته، وتصدقه في مودتك، وهو يطلق على المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث؛ لأنه على وزن فعيل، وفعيل يطلق على ما ذكر، قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ}. و (عدو) على وزن فعيل يطلق على ما ذكر، كما رأيت في الآية رقم [٣٩] من سورة (طه). وقال جرير، وقد أطلق صديقا على جماعة الإناث: [الطويل]

دعون الهوى ثمّ ارتمين قلوبنا... بأسهم أعداء وهنّ صديق

وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: الصداقة أو كد من القرابة ألا ترى: أن الجهنميين لما استغاثوا، لم يستغيثوا بالآباء والأمهات، فقالوا: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} الآيتان رقم [١٠٠ و ١٠١] من سورة (الشعراء)، وانظر ما ذكرته في الخل والخليل في الآية رقم [٣١] من سورة (إبراهيم) على حبيبنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>