للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ:} إثم، ومؤاخذة. {أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً} أي: متفرقين، جمع: شت، والشت: المصدر بمعنى التفرق، قيل: إنها نزلت في بني ليث بن بكر، وهم حيّ من بني كنانة، كان الرجل منهم، لا يأكل وحده حتى يجد ضيفا يأكل معه، فربما قعد الرجل من الصباح إلى المساء، وربما كانت معه الإبل الحفّل، فلا يشرب من ألبانها حتى يأتي من يشاربه، فإذا أمسى؛ ولم يجد أحدا؛ أكل. وقال القرطبي: وقد يمكث أياما جائعا حتى يجد من يؤاكله، وهي مبالغة غير مقبولة منه، وهذا خلق ورثه أولئك القوم من (إبراهيم) عليه السّلام، فقد كان لا يأكل وحده؛ حتى يجد من يأكل معه، وهذا مشهور عنه. وقد قال قيس بن عاصم المنقري الصحابي-رضي الله عنه-وينسب لحاتم الطائي يخاطب زوجته: [الطويل]

إذا ما صنعت الزّاد فالتمسي له... أكيلا فإنّي لست آكله وحدي

وانظر الشاهد [٣٩٨] من كتابنا فتح القريب المجيب تجد ما يسرك. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته، وصداقته، فيدعوه إلى طعامه، فيقول:

والله إني لأجنح-أي: أتحرج-أن آكل معك؛ وأنا غني، وأنت فقير. فنزلت هذه الآية، وقيل:

نزلت في قوم من الأنصار، كانوا لا يأكلون؛ إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخص الله لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا جميعا، أو متفرقين. انتهى. خازن، وقرطبي بتصرف. وهذا يفيد: أن الآية الكريمة نزلت في أسباب متعددة، كما يحتمل أن يكون نزولها جملة واحدة، وأن يكون متفرقا.

{فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ} أي: ليسلم بعضكم على بعض، هذا في دخول الرجل بيت نفسه، يسلم على أهله، ومن في بيته. قال قتادة-رضي الله عنه-: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق من سلمت عليه، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد، فقل: السّلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، السّلام على أهل البيت، ورحمة الله وبركاته. حدّثنا أن الملائكة ترد عليه. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا لم يكن في البيت أحد: فليقل: السّلام علينا من ربنا، السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السّلام على أهل البيت، ورحمة الله وبركاته. وعن زيد بن أسلم-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخلتم بيوتا؛ فسلّموا على أهلها، واذكروا اسم الله، فإنّ أحدكم إذا سلّم حين يدخل بيته، وذكر اسم الله على طعامه، يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم هاهنا، ولا عشاء. وإذا لم يسلّم أحدكم؛ إذا دخل، ولم يذكر اسم الله على طعامه؛ قال الشيطان لأصحابه، أدركتم المبيت، والعشاء».

{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي: ثابتة بأمره، مشروعة من لدنه. {مُبارَكَةً:} لأنها ترجى بها زيادة الخير، وتكثير الحسنات، ورفع الدرجات في الجنة. {طَيِّبَةً:} تطيب بها نفس المستمع، فعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «متى لقيت أحدا من أمّتي؛ فسلّم عليه؛ يطل عمرك، وإذا دخلت بيتك فسلّم عليهم، يكثر خير بيتك، وصلّ صلاة الضّحى، فإنّها

<<  <  ج: ص:  >  >>