للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم. واعتباره في كمال الإيمان؛ لأنه كالمصداق لصحته، والمميز للمخلص فيه من المنافق الذي ديدنه التسلل، والفرار، ولتعظيم الجرم في الذهاب عن مجلس الرسول صلّى الله عليه وسلّم بغير إذنه ولذلك أعاده مؤكدا على أسلوب أبلغ، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ} فإنه يفيد: أن المستأذن مؤمن لا محالة، وأن الذاهب بغير إذن ليس كذلك، وإنما ضيق عليهم في ذلك؛ لأنه لا بد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأمور المهمة من ذوي رأي، وقوة يظاهرونه عليها، ويعاونونه، ويستضيء بآرائهم، ومعارفهم، وتجاربهم، فمفارقة أحدهم في مثل تلك الحال مما يشق عليه، ويشعث عليه رأيه، فمن ثمّة ضيق عليهم الأمر في الاستئذان.

{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ:} ما يعرض لهم من المهام. {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} أي:

في الذهاب، والانصراف، والمعنى: إن شئت؛ فأذن، وإن شئت؛ فلا تأذن. ففيه تفويض الأمر إلى رأي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه. {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ:} بعد الإذن، فإن الاستئذان ولو لعذر قصور؛ لأنه تقديم لأمر الدنيا على الدين. {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ:} لذنوب عباده. {رَحِيمٌ:} حيث يسّر عليهم، ورخّص لهم في الضرورة في أمور كثيرة، كما هي معروفة في الشريعة.

تنبيه: روي: أن هذه الآية نزلت في حفر الخندق حين جاءت قريش بجيوشها؛ وقائدها أبو سفيان، وغطفان؛ وقائدها عيينة بن حصن الفزاري، فضرب النبي صلّى الله عليه وسلّم الخندق حول المدينة باستشارة سلمان الفارسي-رضي الله عنه-وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة، فكان المنافقون يتسللون لو اذا من العمل، يعتذرون الأعذار الكاذبة.

وقال المفسرون: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صعد المنبر يوم الجمعة، وأراد رجل أن يخرج من المسجد لحاجة، أو عذر، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بحيث يراه، فيعرف أنه إنما قام ليستأذن، فيأذن لمن شاء منهم، وهذا كان بعد انتهاء غزوة الخندق.

قال مجاهد: وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيديه، قاله أهل العلم، وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام، لا يخالفونه، ولا يرجعون عنه إلا بإذن، وإذا استأذن الإمام؛ إن شاء؛ أذن له، وإن شاء؛ لم يأذن، وهذا إذا لم يكن حدث يمنعه من المقام بأن يكونوا في المسجد، فتحيض امرأة منهم، أو يجنب رجل، أو يعرض له مرض، فلا يحتاج إلى الاستئذان. انتهى. خازن.

الإعراب: {إِنَّمَا:} كافة ومكفوفة مفيدة للحصر. {الْمُؤْمِنُونَ:} مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

{الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة: {آمَنُوا بِاللهِ} صلة

<<  <  ج: ص:  >  >>