للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عباده المؤمنين بهذا النّداء في ثمانية وثمانين موضعا من القرآن الكريم، ونداء المخاطبين باسم المؤمنين يذكرهم بأنّ الإيمان يقتضي من صاحبه أن يتلقى أوامر الله، ونواهيه بحسن الطّاعة، والامتثال، وإنّما خصّهم الله بهذا النّداء؛ لأنّهم هم المستجيبون لأوامره، المنتهون عمّا نهى الله عنه؛ إذ الغالب أن يتبع هذا النداء بأمر، أو بنهي. {كُتِبَ:} فرض، كما في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ} ومنه قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [الخفيف]

كتب القتل والقتال علينا... وعلى الغانيات جرّ الذّيول

{الْقِصاصُ:} القود الذي هو قتل القاتل فقط لا يتجاوز إلى غيره، قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٣٣]: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}.

والإسراف: هو قتل غير القاتل: انظر شرحها هناك. هذا؛ والقصاص لا يقيمه إلا أولو الأمر، فلو ترك لوليّ القتيل؛ تقع الفوضى في المجتمع، ويختلّ النظام الاجتماعي. {الْقَتْلى} جمع:

قتيل، لفظه مؤنث تأنيث الجماعة، وهو ممّا يدخل على الناس المساءة، فلذلك جاء على هذا البناء، كجرحى، وزمنى، وحمقى، وصرعى، وغرقى. هذا؛ وخذ ما يلي: [مجزوء الخفيف]

إنّ قومي تجمّعوا... وبقتلي تحدّثوا

لا أبالي بجمعهم... كلّ جمع مؤنّث

{الْحُرُّ} هو الذي لا ملك لأحد فيه. و ({الْعَبْدُ}) بخلافه. هذا؛ وقد اختلف في تأويل الآية، فقالت طائفة: جاءت الآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه، فبينت حكم الحر إذا قتل حرّا، والعبد إذا قتل عبدا، والأنثى إذا قتلت أنثى، ولم تتعرض لأحد النوعين إذا قتل الآخر، فالآية محكمة، وفيها إجمال يبينه قوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٤٥]: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ..}. إلخ وبينه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بسنّته لما قتل اليهوديّ بالمرأة.

وذهب أبو حنيفة-رحمه الله تعالى-إلى أنّ الحرّ يقتل بالعبد لعموم آية المائدة المذكورة، وهو مروي عن عليّ، وابن مسعود، رضي الله عنه. قال البخاريّ-رحمه الله تعالى-: يقتل السيد بعبده لعموم قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل عبده؛ قتلناه، ومن جدع عبده؛ جدعناه، ومن خصاه؛ خصيناه».

وخالفهم الجمهور، فقالوا: لا يقتل الحرّ بالعبد؛ لأنّ العبد سلعة، لو قتل خطأ؛ لم يجب فيه دية، وإنّما تجب فيه قيمته، ولأنه لا يقاد بطرفه، ففي النفس بطريق الأولى. وذهب الجمهور إلى أنّ المسلم لا يقتل بالكافر؛ لما ثبت عن البخاري في عليّ-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«لا يقتل مسلم بكافر» ولا يصحّ حديث، ولا تأويل يخالف هذا. وأما أبو حنيفة؛ فذهب إلى أنّه يقتل به لعموم آية المائدة المذكورة، وقد عيب عليه ذلك، وقد أفتى أبو يوسف-رحمه الله-بذلك، وقد قال بعض الشعراء ذامّا له، بل ومتهجّما عليه، خذ قوله: [السريع]

<<  <  ج: ص:  >  >>