مضاف لما بعد الموت. {لِلْوالِدَيْنِ:} فيه تغليب الوالد على الوالدة، ومثله: الأبوان.
{وَالْأَقْرَبِينَ:} جمع: الأقرب، بمعنى القريب، وليس صيغة تفضيل. {بِالْمَعْرُوفِ:} بالعدل بأن لا يزيد على الثلث، ولا يفضل الغني لغناه، وهو بخلافه في الآية رقم [١٧٧]{حَقًّا:} واجبا ثابتا، من: حقّ، يحقّ، بمعنى: وجب، يجب.
تنبيه: حكم هذه الآية كان في بدء الإسلام، فنسخ بآية المواريث الموجودة في سورة النساء، وبقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الله أعطى كلّ ذي حقّ، حقّه، ألا لا وصيّة لوارث؛ إلاّ أن يجيزها باقي الورثة». رواه أصحاب السنن عن عمرو بن خارجة، رضي الله عنه. وقيل: هي غير منسوخة؛ لأنها نزلت في حقّ من ليس بوارث بسبب الكفر؛ لأنّ الرّجل كان يسلم، ووالداه يبقيان على كفرهما، فلذا استحقا الوصية؛ لأن الإسلام قطع الإرث بين المسلم، والكافر، فشرعت الوصية قضاء لحقّ القرابة ندبا، وعلى هذا لا يراد ب {كُتِبَ} فرض، وبقيت ندبا بحدود الثلث؛ حتى لا تجحف بورثته، كما ثبت في الصحيحين: أن سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-، قال: يا رسول الله! إنّ لي مالا، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأوصي بثلثي مالي؟ قال:
«لا» قال: فبالشطر؟ قال:«لا» قال: فبالثلث؟ قال:«الثلث، والثلث كثير. إنّك إن تذر ورثتك أغنياء؛ خير من أن تدعهم عالة، يتكفّفون النّاس».
هذا؛ والوصية لوارث موقوفة على إجازة الورثة، فقد روى الدّارقطني عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تجوز الوصيّة لوارث؛ إلاّ أن يشاء الورثة». وروى أيضا عن عمرو بن خارجة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا وصيّة لوارث إلاّ أن تجيز الورثة».
هذا؛ والوصية سنّة مؤكّدة، فقد أخرج الدّارقطني عن أبي أمامة، ومعاذ بن جبل-رضي الله عنهما-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال:«إنّ الله تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم، زيادة لكم في حسناتكم؛ ليجعلها لكم زكاة». وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«ما حقّ امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين» وفي رواية: «ثلاث ليال، إلاّ ووصيّته مكتوبة عنده». قال نافع مولى ابن عمر: سمعت عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-يقول: ما مرّت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك؛ إلا وعندي وصيتي مكتوبة. رواه مالك، والستّة.
وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من مات على وصيّة مات على سبيل، وسنّة، ومات على تقى، وشهادة، ومات مغفورا له». أخرجه ابن ماجة.
هذا؛ والرسول صلّى الله عليه وسلّم فضّل الصّدقة، وأعمال الخير في حال الصّحّة، على حال المرض، ودنو الموت، وخذ ما يلي: فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: جاء رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! أيّ الصدقة أعظم أجرا؟ قال:«أن تصدّق، وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم؛ قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا؛ وقد كان لفلان كذا».