للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالرّخصة موجودة بقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها،} وبقوله جل ذكره: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.

{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} أي: كلّ من أفطر بعذر يجب عليه أن يعدّ الأيام التي أفطرها، ثم يقضيها بعد التمكّن من القضاء إلا المريض الّذي لا يرجى برؤه، والشّيخ، والشّيخة اللذين لا يرجى صومهما بسبب الهرم، والضعف، فهؤلاء يخرجون كفارة لكلّ يوم أفطروا فيه. هذا؛ و {أُخَرَ:} صفة ل‍ {أَيّامٍ،} و «أُخَرَ» على ضربين: ضرب جمع: أخرى تأنيث أخر، بفتح الخاء أفعل تفضيل، وضرب جمع: أخرى بمعنى: آخرة، تأنيث آخر بكسرها مقابل ل‍ «أول»، ومنه قوله تعالى: {قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ} فالضرب الأول لا يصرف، والعلّة المانعة من الصّرف:

الوصف، والعدل. ولا تنس أنّ قبل: {فَعِدَّةٌ..}. إلخ جملة محذوفة التقدير: «فأفطر».

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ:} روى البخاريّ-رحمه الله تعالى-عن سلمة ابن الأكوع-رضي الله عنه-: أنه قال: لمّا نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ..}. إلخ كان من أراد أن يفطر يفتدي حتى نزلت الآية الّتي بعدها، فنسختها. ومثله عن ابن عمر، رضي الله عنهما، وبه قال السّدّي، والمراد بالتي بعدها: قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ليست منسوخة، هو الشّيخ الكبير، والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا. أخرجه البخاريّ عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعليه يكون المعنى: وعلى الذين كانوا يطيقونه في حال الشّباب، ثم يعجزون عنه في حال الشّيخوخة فدية طعام مسكين، ولذا قرأ ابن عباس: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} وقيل: هي محكمة، وقبلها «لا» مقدّرة، أي: لا يطيقونه لكبر، أو مرض لا يرجى برؤه.

{فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ:} هي القدر الذي يبذله المسلم يقي نفسه به من تقصير وقع منه في عبادة، أو نحوها من كفارة يمين، أو ظهار، أو جماع في شهر رمضان، أو فعل محظور في الحجّ... إلخ، لكن ما مقدار هذه الفدية فيما ذكر؟ فالله يقول: {طَعامُ مِسْكِينٍ} وكثير من العلماء يقولون: مدّ من قمح، وهل يكون المدّ في هذه الأيام طعام مسكين؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله، فقد روى البخاريّ رحمه الله تعالى: أنّ أنس بن مالك-رضي الله عنه-أطعم بعد ما كبر عاما، أو عامين، عن كلّ يوم مسكينا خبزا، ولحما، وأفطر. فأنس-رضي الله عنه-يطعم المسكين خبزا، ولحما، وهم يعطونه مدّ قمح، فكأنه بنظرهم حمامة، أو دجاجة يلتقط الحبّات بمنقاره، وانظر شرح المسكين في الآية رقم [١٧٧].

{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فهذه الخيرية تعمّ كلّ من ترخّص الإفطار بعذر من الأعذار، ويقدر على الصوم بلا مشقّة، وعناء، ما عدا الحائض، والنفساء، فإنّ فطرهما واجب، وصومهما لا ينعقد. {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} بركة الصيام في رمضان؛ فلا تفطروا بمجرد العذر المرخّص للإفطار.

<<  <  ج: ص:  >  >>