للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشتاء الشّديد البرد، وقيل: لأنّه يرمض الذنوب، أي: يحرقها. بمعنى: يمحوها، وقيل: لأن القلوب تحترق فيه من الموعظة، والقرآن. ويجمع على: رمضانات، وأرمضة.

{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وشرح هذا الإنزال في شهر رمضان: أن جبريل عليه الصلاة والسّلام نسخه من اللّوح المحفوظ، ونزل به جملة واحدة، ووضعه في السّماء الدّنيا في مكان يسمّى بيت العزّة، وقد صادف ذلك ليلة القدر، قال تعالى: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقال جل ذكره: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} ثم نزل به جبريل الأمين على الرسول صلّى الله عليه وسلّم مفرّقا في ثلاث وعشرين سنة، على حسب الوقائع، ومقتضيات الأحوال والحاجات.

هذا؛ وقرآن مشتق من: قريت الماء في الحوض: إذا جمعته، فكأنه قد جمع فيه الحكم، والمواعظ، والآداب، والقصص، والفروض، وجميع الأحكام، وكملت فيه جميع الفوائد الهادية إلى طرق الرشاد. وخذ قول عمرو بن كلثوم في معلقته رقم [١٧]: [الوافر]

ذراعي عيطل أدمان بكر... هجان اللّون لم تقرأ جنينا

«لم تقرأ جنينا»: لم تضم، ولم تجمع في رحمها ولدا قط. وهو في اللّغة مصدر بمعنى الجمع، يقال: قرأت الشيء، قرآنا: إذا جمعته. وبمعنى القراءة، يقال: قرأت الكتاب قراءة، وقرآنا، ثم نقل إلى هذا المجموع المقروء المنزل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، المنقول عنه بالتواتر فيما بين الدّفتين، المتعبّد بتلاوته المبدوء بسورة الفاتحة، المختتم بسورة الناس. وهذا التعريف متّفق عليه بين العلماء والأصوليين، أنزله الله؛ ليكون دستورا للأمة، وهداية للخلق أجمعين، وليكون آية دالة على صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وبرهانا ساطعا على نبوته، ورسالته، وحجّة قائمة إلى يوم الدين، تشهد: أنّه تنزيل الحكيم الحميد، بل هو المعجزة الخالدة، التي تتحدى الأجيال، والأمم على مر الأزمان، ومرّ الدهور. ورحم الله شوقي إذ يقول: [البسيط]

جاء النّبيّون بالآيات فانصرمت... وجئتنا بكتاب غير منصرم

آياته كلّما طال المدى جدد... يزينهنّ جمال العتق والقدم

وللقرآن أسماء عديدة، كلّها تدلّ على رفعة شأنه، وعلوّ مكانته، وعلى أنّه أشرف كتاب سماوي على الإطلاق، فيسمّى: القرآن، والفرقان، والتنزيل، والذّكر، والكتاب، والنور، والهدى... إلخ، كما وصفه الله بأوصاف عديدة، منها: نور، وهدى، ورحمة، وشفاء، وموعظة، وعزيز، ومبارك، وبشير، ونذير إلى غير ذلك من الأوصاف التي تشعر بعظمته، وقدسيّته. ويحرم على محدث حدثا أكبر: قراءته، ومسّه، وحمله، وعلى المحدث حدثا أصغر:

حمله، ومسّه، ولا يمنع من قراءته عن ظهر قلب. قال تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وقال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [١٠٦]: {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً}. وعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>