للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«شاعر» إنما يقال لمن عرف بالشعر؛ شبه بفعيل، ودخلته ألف التأنيث الممدودة لتأنيث الجماعة، كما تدخل الهاء في: صياقلة، وزنادقة. وقال الأخفش: الشاعر مثل: لابن، وتامر، أي: صاحب شعر، وقد سمي الشاعر شاعرا لفطنته، وهو الفقية أيضا، والشاعر مأخوذ من قولهم: ما شعرت بهذا الأمر، أي: ما فطنت له، وقوله تعالى في كثير من الآيات في حق الكافرين والمنافقين والفاسقين: {وَما يَشْعُرُونَ} أي لا يفطنون، ولا يتدبرون ما يقع بهم من الخزي، والوبال، والنكال في الدنيا، والآخرة.

{يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ:} قال أهل التفسير: أراد الله بهذه الآية شعراء الكفار الذين كانوا يهجون النبي صلّى الله عليه وسلّم مثل عبد الله بن الزّبعرى، وأبو عزة الجمحي، وأضرابهما، ويجتمع إليهم سفهاء قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجون النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، وكانوا يروون عنهم قولهم، فذلك قوله تعالى: {يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ} أي: فهم الرواة الذين يروون هجاء المسلمين. وفي رواية: أن رجلين: أحدهما من الأنصار، والثاني من المهاجرين تهاجيا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومع كل واحد غواة قومه، وهم: السفهاء. والمعتمد الأول.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ} أي: ألم تنظر إليهم أنهم في كل واد من أودية الشعر يتحيّرون ويتردّدون، وعن طريق الحق يحيدون، ويخرجون. وهذا من باب الاستعارة البليغة، والتمثيل الرائع، شبه جولانهم في أفانين القول بطريق المدح والذم، والتشبب، وأنواع الشعر بهيام الهائم في كل وجه وطريق، والهائم هو الذي يخبط في طريقه، ولا يقصد موضعا معينا، يقال: هام على وجهه، أي: ذهب، والهائم: العاشق من ذلك، والهيمان: العطشان، والهيام: داء يأخذ الإبل من العطش. وجمل أهيم، وناقة هيماء، والجمع: هيم قال تعالى: {فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} وذلك في سورة (الواقعة). انتهى جمل نقلا عن السمين. وينبغي أن تعلم: أنه لا يوجد لفظ: {يَهِيمُونَ} في غير هذه السورة، فهو لفظ مفرد لا ثاني له. هذا؛ وأودية الشعر:

أنواعه، وأغراضه، وفنونه من تشبب في النساء، والتغزل بحسنهن، وجمالهن، وتمزيق الأعراض، والقدح في الأنساب، والوعد الكاذب، والافتخار بالباطل، ومدح من لا يستحق المدح، وذم من لا يستحق الذم، حتى إنهم ليفضلون أجبن الناس على عنترة، وأبخلهم على حاتم، وأفسقهم على أتقى الناس، وإلى هؤلاء يتوجه الوعيد الشديد من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتّى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا». ومعنى «يريه»: يقذفه بسبب شدة الامتلاء. خرّج الحديث مسلم، رحمه الله تعالى. وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ عرض شاعر ينشد، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خذوا الشّيطان-أو-أمسكوا الشّيطان؛ لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا». أخرجه مسلم وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>