وأخرج ابن عساكر عن الهيثم بن عدي؛ قال: ذكروا: أن عبد الله بن رواحة-رضي الله عنه- ابتاع جارية، وكتم ذلك امرأته، وقد بلغها، فقالت له ذات يوم-وبلغها: أنه كان عندها-: إنه بلغني عنك أنك ابتعت جارية، فقال لها: ما فعلت! قالت: بلى! وبلغني أنك كنت عندها اليوم، ولا أحسبك إلا جنبا، فإن كنت صادقا، فاقرأ آيات من القرآن، فقال: [الوافر]
شهدت بأنّ وعد الله حقّ... وأنّ النار مثوى الكافرينا
فقالت: زدني آية أخرى، فقال: [الوافر]
وأنّ العرش فوق الماء طاف... وفوق العرش ربّ العالمينا
فقالت: زدني آية أخرى، فقال: [الوافر]
وتحمله ملائكة كرام... ملائكة الإله مقرّبينا
فحدث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك، فضحك؛ حتى ردّ يده إلى فيه، وقال: «هذا من معاريض الكلام، يغفر الله لك يا بن رواحة! إن خياركم خيركم لنسائه؛ فأخبرني ما الذي ردت عليك حيث قلت ما قلت؟». قال: قالت لي: أما إذ قرأت القرآن فإني أتهم ظني، وأصدقك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لقد وجدتها ذات فقه في الدين». انتهى. سيوطي.
{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ} أي: يكذبون في قولهم، فيدلون بكلام على الخير، والكرم، وغير ذلك، ولا يفعلونه، ويذمون البخل، وغيره من الصفات الذميمة، ويصرون عليه، ويفرطون في القول، بما لم يفعلوه، رغبة منهم في تسلية النفس، وتحسين الكلام كما روي: أن الفرزدق أنشد سليمان بن عبد الملك قوله: [الوافر]
خرجن إليّ لم يطمثن قبلي... وهنّ أصحّ من بيض النّعام
فبتن بجانبيّ مصرّعات... وبتّ أفضّ أغلاق الختام
فقال له سليمان: قد وجب عليك الحد، فقال: يا أمير المؤمنين! قد درأ الله عني الحد بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ}. فيريد سليمان: أنّ قوله هذا اعتراف منه بالزنى، فأجابه بهذا الكلام البليغ، والجواب المسكت.
الإعراب: {وَالشُّعَراءُ:} الواو: حرف استئناف. (الشعراء): مبتدأ. {يَتَّبِعُهُمُ:} فعل مضارع، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. {الْغاوُونَ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية في محل رفع خبر مبتدأ، والجملة الاسمية: {وَالشُّعَراءُ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.