للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا وعد من السميع العليم بإعطاء العبد سؤله. هذا؛ والياءان من قوله: {الدّاعِ} و {دَعانِ؛} من الزوائد عند القرّاء، ومعنى ذلك: أنّ الصحابة لم تثبت لها صورة في المصحف، فمن القرّاء من أسقطها تبعا للرّسم وقفا، ووصلا، ومنهم من يثبتها في الحالين، ومنهم من يثبتها وصلا، ويحذفها وقفا. ومثل هذا كثير مثل قوله تعالى في سورة (القمر): {يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ}.

{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أي: بالطاعة، والخضوع، والامتثال لأمري. فيما آمر به، وفيما أنهى عنه. هذا؛ وأجاب، واستجاب بمعنى، فالسين والتاء زائدتان، انظر: {اِسْتَوْقَدَ} في الآية رقم [١٧]. {وَلْيُؤْمِنُوا بِي:} هذا أمر بالثبات على الإيمان، والمداومة عليه. هذا؛ وقال القرطبيّ:

الدّعاء هنا بمعنى: العبادة، والإجابة بمعنى: القبول، فصار المعنى: أقبل عبادة من عبدني.

دليله ما رواه أبو داود عن النّعمان بن بشير-رضي الله عنهما-عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«الدّعاء هو العبادة، قال ربّكم: ادعوني أستجب لكم» فسمّى الدعاء عبادة.

أقول: إبقاء الكلام على ظاهره من أنّ المراد الدّعاء أولى، وأصحّ. {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ:}

يهتدون، ويوفّقون إلى ما فيه خيرهم، وصلاحهم. هذا؛ والرّشد، والرّشد، والرّشاد: الهدى، والاستقامة، وضدّه: الغيّ، والضّلال، والفساد. والفعل رشد يأتي من الباب الأول، رشد، يرشد رشدا، ومن الباب الرّابع رشد، يرشد رشدا.

تنبيه: روي: أنّ جماعة من الصّحابة قالوا: يا رسول الله! أقريب ربّنا، فنناجيه، أم بعيد، فنناديه؟ فنزلت الآية الكريمة. وقال ابن عبّاس-رضي الله عنهما-: قال يهود المدينة: يا محمّد! كيف يسمع ربنا دعاءنا؛ وأنت تزعم أنّ بيننا وبين السّماء خمسمائة عام، وأن غلظ كلّ سماء مثل ذلك؟!

هذا؛ وما ذكر في الكتاب والسنّة من قرب الله، ومعيّته لا ينافي ما ذكر من علوّه، وفوقيته، فإنه سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. وفي الحديث الصحيح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الّذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته».

تنبيه: لعلّك تدرك معي: أنّ هذه الآية معترضة بين سابقتها، ولاحقتها؛ لأنّ الآيتين، بل الآيات كلّها متعلقة بأحكام صيام رمضان. هذا؛ وإنّ الغرض من إقحام هذه الآية بينهما هو الاهتمام بالدّعاء، وبيان فضله، والحثّ على الإكثار منه، وأنّه عند الله بمقام عظيم، وأجر جزيل، ولذا قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء مخّ العبادة»، رواه الترمذيّ عن أنس، رضي الله عنه. وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء سلاح المؤمن، وعماد الدّين، ونور السّماوات، والأرض». رواه الحاكم.

وعن سلمان الفارسيّ-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله حييّ كريم، يستحيي إذا رفع الرّجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين». رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>