فأيقنت أنّ الطّرف قد قال مرحبا... وأهلا وسهلا بالحبيب المتيّم
ويقال: ما طبق طرفه، أي جفنه على الآخر، والطرف بالمعنى السابق لا يثنى، ولا يجمع؛ لأنه في الأصل مصدر، فيكون واحدا، وجمعا، قال تعالى في سورة (إبراهيم): {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ} رقم [٤٣] وهو هنا بفتح الطاء وسكون الراء، وهو بفتحهما: حرف الشيء، ومنتهاه، وجمعه: أطراف، قال تعالى في سورة (طه) رقم [١٣٠]: {وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى}. وهو بكسر الطاء، وسكون الراء: الكريم من الخيل، وقد يراد به أيضا الكريم الطرفين؛ أي: الأب، والأم، ويجمع على أطراف أيضا.
{فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا:} ثابتا بين يديه غير متقلقل، وليس بمعنى الحصول المطلق؛ إذ لو كان كذلك لم يذكر، فهو كون خاص، انتهى. مغني. {قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} أي: هذا النصر، والتمكين من حصول المراد. {لِيَبْلُوَنِي:} ليختبرني ربي {أَأَشْكُرُ} أي: نعمته عليّ؛ بأن أرى ذلك فضلا بلا حول ولا قوة مني، وأقوم بحقه، {أَمْ أَكْفُرُ} أي: أجحد نعمته عليّ، وأقصر بالقيام في حقه. {وَمَنْ شَكَرَ} أي: النعمة، وأدى حق الله فيها، {فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ:} يرجع نفع ذلك إلى نفسه، لا إلى غيره، حيث يستوجب بشكره تمام النعمة ودوامها، والمزيد منها، كما قال تعالى:
{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} والشكر قيد النعمة الموجودة، وبه تنال النعمة المفقودة، {وَمَنْ كَفَرَ} أي: جحد النعمة. ولم يقم بشكرها. {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} أي: عن العباد، وعن شكرهم. {كَرِيمٌ:}
يتفضل على العباد لا يقطع نعمة عنهم إذا أعرضوا عن شكره، وقصروا في واجب النعمة، وفي سورة (لقمان) رقم [١٢]. {فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} انظر شرحها هناك، فإنه جيد.
هذا؛ وسمى الله سبحانه جحود النعمة: كفرا؛ لأن معنى الكفر الغوي: الستر، والتغطية.
كما في الآية رقم [٤٣] الآتية. أما الفعل: شكر، فيتعدى بنفسه، وبحرف الجر، تقول: شكرته، وشكرت له، كما تقول: نصحته، ونصحت له، وانظر شرح الشكر لغة، واصطلاحا في الآية رقم [١٥].
الإعراب:{قالَ:} فعل ماض، {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل. {عِنْدَهُ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {عِلْمٌ:} مبتدأ مؤخر. {مِنَ الْكِتابِ:} جار ومجرور متعلقان ب {عِلْمٌ؛} لأنه مصدر، أو بمحذوف صفة له، والجملة الاسمية صلة الموصول، لا محل لها. هذا؛ ويجوز اعتبار الظرف متعلقا بمحذوف صلة الموصول، فيكون {عِلْمٌ} فاعلا به، أي: بمتعلقه، وهذا لا غبار عليه. {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} إعراب هذا الكلام مثل إعراب: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ:} بلا فارق، وهو في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.