للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحوهما من دواب البحر، ثم وضع سريره في صدر المجلس، وجلس عليه، ولما جاءت قيل لها: ادخلي الصرح، وهذا بخلاف صرح فرعون المذكور في الآية رقم [٣٨] من سورة (القصص).

{فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً:} أي ظنته ماء عظيما راكدا. هذا؛ ولجة الماء: معظمه، وجمعه:

لجج، ولما رأت لجة الماء؛ فزعت، وظنت: أن سليمان قصد بها الغرق، وتعجبت من كون كرسيه على الماء، ورأت ما هالها، ولم يكن لها من امتثال الأمر بدّ. هذا؛ وفي هذه الجملة تشبيه مأخوذ من معنى: {حَسِبَتْهُ،} فقد شبهت الصرح بلجة الماء فهو قسم من أقسام التشبيه جاءت فيه الأداة فعلا من أفعال الظن، ومثله آية (الكهف) رقم [١٨]، وآية (الدهر) رقم [١٩].

{وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها:} فإذا هي من أحسن الناس ساقا، سليمة مما قالت الجن، غير أنها كثيرة الشعر، فلما بلغت هذا الحد، قال لها سليمان بعد أن صرف نظره عنها: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ} والممرّد: المملّس المحكوك، ومنه: الأمرد لملاسة وجهه، أي: نعومته لعدم وجود الشعر به، والقوارير: الزجاج الأبيض الجميل.

هذا؛ والقوارير جمع: القارورة. وفي المصباح: القارورة: إناء من زجاج، والجمع:

القوارير، والقارورة أيضا: وعاء الرطب والتمر، وهي القوصرّة، وتطلق القارورة على المرأة؛ لأن الولد، أو المني يقر في رحمها، كما يقر الشيء في الإناء، أو تشبيها بآنية الزجاج لضعفها.

وفي الحديث الشريف: «رفقا بالقوارير». قال الأزهري: والعرب تكني عن المرأة بالقارورة والقوصرة انتهى. وفي القاموس: القارورة: حدقة العين، وما قرّ فيه الشراب، أو نحوه، أو يخصّ بالزجاج، و {قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ} أي: من زجاج في بياض الفضة وصفاء الزجاج.

وعند ذلك استسلمت، وأذعنت، وأقرت على نفسها بالظلم؛ حيث قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي..}. إلخ. ولما رأى سليمان-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-قدميها؛ قال لناصحه من الشياطين: كيف لي أن أقلع هذا الشعر من غير مضرة بالجسد؟ فدله على عمل النورة، فكانت النورة، والحمامات من يومئذ. هذا؛ وقيل في معنى ظلمها لنفسها: إنها ظنت:

أن سليمان يريد أن يغرقها في الماء. والأصح: أنها أرادت ظلمات نفسي بعبادة غير الله تعالى، ونحوها؛ والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

واختلفوا في أمر بلقيس بعد إسلامها، فقيل: انتهى أمرها إلى قولها: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} ولا علم لأحد وراء ذلك؛ لأنه لم يذكر في الكتاب، ولا في خبر صحيح. وقال بعضهم: تزوجها سليمان، وأحبها حبا شديدا، وأقرها على ملكها، وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون، لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا، وهي سلحين، وبينون، وغمدان، ثم كان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام، يبكر من الشام إلى اليمن، ومن اليمن إلى الشام، وولدت له ولدا ذكرا، أسماه داود، مات في حياته.

<<  <  ج: ص:  >  >>