للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنّه ذنب السّرحان؛ فإنّه لا يحلّ شيئا، ولا يحرّمه، وأمّا المستطيل الّذي عارض الأفق؛ ففيه تحلّ الصّلاة، ويحرم الطّعام». هذا مرسل. وروى الدّارقطني عن عائشة-رضي الله عنها-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لم يبيّت الصّيام قبل طلوع الفجر؛ فلا صيام له». قال الشاعر: [البسيط]

الخيط الأبيض ضوء الصّبح منفلق... والخيط الاسود جنح اللّيل مكتوم

{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ:} فإذا جاء الليل؛ فقد حلّ الأكل، والشّرب، والجماع، وكلّ شيء كان محظورا، كما جاء في الصحيحين من قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل اللّيل من هاهنا، وأدبر النّهار من هاهنا فقد أفطر الصّائم». ويستحبّ تعجيل الإفطار، لما رواه سهل بن سعد الساعدي-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر». أخرجه أحمد، والترمذيّ.

{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ:} لا تجامعوا النساء، وأنتم مقيمون في المساجد بنية الاعتكاف. والمعلوم: أنّ الجماع في المسجد حرام، بل هو كبيرة من غير نيّة الاعتكاف، ولكن المراد: أنّ الجماع لا يجوز للمعتكف، ولو في بيته ما دام متلبسا بنيّة الاعتكاف، وهذا إذا كان الاعتكاف منذورا، أو مقيّدا بمدة معلومة، فأما إذا كان مطلقا، وتطوعا، فله إبطال نيته، والجماع، ثم إذا أراد الاعتكاف؛ فليجدّد نيته. هذا؛ وأقلّ الاعتكاف عند مالك، وأبي حنيفة، ورواية عن أحمد: يوم وليلة، وشرطه الصّوم، وعند الشافعيّ، وقول آخر لأحمد: أقلّه لحظة، ولا حدّ لأكثره، وليس من شرطه الصوم، لذا يندب في حق الدّاخل المسجد أن ينوي الاعتكاف، ولو دخل لأداء الصّلاة المفروضة عند الشّافعيّ. ونرجو من الله الأجر والثواب إن تأدب الدّاخل بآداب المسجد، وأمّا إن دخل يهرهر، وخرج يهرهر؛ فبشره بالوزر، وويل له إن جلس بعد الصّلاة، وتكلم الكلام في الدّنيا من غير ذكر، فبشره بأنه يخرج من المسجد محملا بالأوزار، وعرضة لغضب الواحد القهار. والأحاديث التي تشدّد النكير على الذين يجعلون المسجد مقهى كثيرة مشهورة مسطورة، أكتفي منها بما يلي:

عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيكون في آخر الزّمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجة». رواه ابن حبان. وفي رواية: «فلا تجالسوهم، فليس لله فيهم حاجة».

{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ} أي: الأحكام التي ذكرت في هذه الآية، جمع: حدّ، وهو في اللغة:

الحاجز بين شيئين متجاورين، والمراد هنا: الحدّ الفاصل بين الحلال والحرام، فلذا يعاقب من تجاوزه بالحدّ، وهو العقوبة المقرّرة لذلك. {فَلا تَقْرَبُوها:} نهى عن قربانها، فضلا عن انتهاكها، والقاعدة: أنّ الأحكام إذا كانت نواهي، يقال فيها: فلا تقربوها؛ على حدّ قوله تعالى:

{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى،} {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ} وهكذا، وإن كانت أوامر، يقال فيها: (لا {تَعْتَدُوها}) أي: لا تتجاوزوها، كما في الآية رقم [٢٢٨] الآتية، وما هنا من قبيل الأوّل، والآية الأخرى من قبيل الثاني، فكلّ جاء على ما يليق به. انظر الآية رقم [٢٢٨] ففيها بحث جيّد، والحمد لله!.

<<  <  ج: ص:  >  >>