للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَتابَ عَلَيْكُمْ:} قبل توبتكم، ووفّقكم للتوبة، والاعتراف بالذّنب. {وَعَفا عَنْكُمْ:} أي:

تجاوز عنكم، ولم يعاقبكم بذنوبكم. {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ:} كناية عن الجماع، كما تقدّم، وسمّي الوقاع مباشرة لتلاصق البشرتين فيه، وأطلقت على الجماع للزومها فيه. وهذا الأمر، والثلاثة بعده للإباحة. {وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ:} اطلبوا ما قدّره الله لكم من الولد، وما يتبع ذلك من قصد التحصين، والعفة بالنسبة للرّجل، والزوجة، وبهذا القصد يؤجر الرجل على هذا العمل، ويؤيّده قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الذي أخرجه مسلم-رحمه الله تعالى-عن أبي ذرّ-رضي الله عنه-: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام؛ أكان عليه وزر؟» قالوا: نعم، قال: «فكذلك إذا وضعها في حلال؛ كان له أجر». أقول: ولكنّ الأجر متوقف على القصد؛ الّذي ذكرته.

{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا:} قال ابن هشام-رحمه الله تعالى-في المغني: إذا تعلّق الإعلام بمجرد إيقاع الفاعل للفعل، فيقتصر عليه، ولا يذكر المفعول، ولا ينوى؛ إذ المنويّ كالثابت، ولا يسمّى محذوفا؛ لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له، ومنه قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢٥٨]: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ،} وقوله تعالى في سورة (الزمر) رقم [٩]: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ،} وقوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٣١]: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} وأيضا ما في هذه الآية، وقوله تعالى في سورة (الإنسان) رقم [٢٠]: {وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ،} إذ المعنى: ربي الذي يفعل الإحياء، والإماتة، وهل يستوي من يتصف بالعلم، ومن ينتفي عنه العلم؟ وأوقعوا الأكل والشرب، وذروا الإسراف، وإذا حصلت منك رؤية هنالك. ومنه على الأصح قوله تعالى في سورة (القصص) رقم [٢٣]: {وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ..}. إلخ ألا ترى: أنّ موسى-على نبينا وعليه ألف صلاة وألف سلام-إنما رحمهما؛ إذ كانتا على صفة الذياد، وقومهما على السّقي، لا لكون المسقي غنما ومسقيهم إبلا، وكذلك المقصود من قولهما: ({نَسْقِي}) السّقي، لا المسقي، ومن لم يتأمل قدّر: يسقون إبلهم، وتذودان عنهما، ولا نسقي غنما. انتهى.

{حَتّى يَتَبَيَّنَ} يقال: تبين الشيء، وبان، وأبان، واستبان، كلّه بمعنى واحد، وهو لازم، وقد يستعمل بعضها متعديا. {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ..}. إلخ: شبه سبحانه وتعالى أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق، وما يمتدّ معه من غبش الليل بخيطين: أبيض وأسود، واكتفى سبحانه ببيان الخيط الأبيض بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه، وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التمثيل. بيضاوي. وينبغي أن تعلم: أن الفجر الذي يحرم بطلوعه الطّعام، ويحلّ به الصّلاة هو الفجر المعترض في الأفق يمنة ويسرة. روى مسلم-رحمه الله تعالى-عن سمرة بن جندب-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يغرّنّكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا؛ حتّى يستطير هكذا». وحكاه حماد بيديه، قال: يعني: معترضا. وروى الدّارقطني عن عبد الرحمن بن عباس: أنه بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: «هما فجران: فأمّا الّذي

<<  <  ج: ص:  >  >>