للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الْأَهِلَّةِ} جمع: هلال، سمّي به القمر لرفع أصواتهم عند رؤيته في جهة المغرب في أوّل الشهر. واختلف اللّغويون إلى متى يسمّى هلالا، فقال الجمهور: يقال لليلتين، وقيل: لثلاث، ثم يكون قمرا. وقال أبو الهيثم: لليلتين من أوّل الشهر، ولليلتين من آخره، وما بينهما قمر.

انتهى جمل نقلا عن السّمين. هذا؛ وجمع الهلال على: أهلة، وهو واحد في الحقيقة من حيث كونه هلالا واحدا في شهر غير كونه هلالا في آخر، فإنّما جمع أحوال من الأهلة، ويريد بالأهلة شهورها، وقد يعبّر بالهلال عن الشهر لحلوله فيه. وقيل: سمّي شهرا؛ لأن الأيدي تشير بالإشارة إلى موضع الرؤية، ويدلون عليه. وانظر الآية رقم [١٨٤].

{قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ:} تبيين لوجه الحكمة في زيادة القمر، ونقصانه، وهو زوال الإشكال في الآجال، والمعاملات، والأيمان، والحجّ، والعدد، والصّوم، والفطر، ومدّة الحمل، والإجارات، والأكرية إلى غير ذلك من مصالح العباد. ونظيره قوله تعالى في سورة (الإسراء) رقم [١٢]: {وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ،} وقوله تعالى في سورة يونس رقم [٥]:

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ}. هذا؛ و {مَواقِيتُ} جمع: ميقات، مثل موازين، ومواعيد، ومواريث، جمع: ميزان، وميعاد، وميراث، والأصل: موزان، وموعاد، وموراث، وموقات، قلبت الواو ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها، وردت الواو لأصلها في الجمع؛ لأن جمع التكسير يرد الأشياء إلى أصولها. وإنّما خصّ الحج بالذكر؛ لأنّه ممّا يحتاج فيه إلى معرفة الوقت، وأنه لم يقع فيه النسيء الّذي كانت العرب تفعله في الجاهلية من تأخير حرمة شهر إلى آخر.

تنبيه: لقد استدل مالك، وأبو حنيفة، وأصحابهما على أنّ الإحرام بالحجّ يصحّ، وينعقد في غير أشهر الحجّ بهذه الآية؛ لأنّ الله تعالى جعل الأهلة كلّها ظرفا لذلك، وخالف في ذلك الشافعي لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} رقم [١٩٧].

{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها} أي: ليس البر بدخولكم المنازل من ظهورها، كما كنتم تفعلون في الجاهلية. وانظر: {الْبِرُّ} في الآية رقم [١٧٧]. {وَلكِنَّ الْبِرَّ:} عمل الخير؛ الذي يحبه الله، ويرضاه. {مَنِ اتَّقى:} امتثل أمر الله فيما أمر، واجتنب كل ما نهى عنه، فهذا الذي يقربكم إلى الله. {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها:} ادخلوها كعادة الناس من الأبواب. {وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تقدّم شرح مثل ذلك كثيرا.

هذا؛ وحكى المهدوي، ومكيّ عن ابن الأنباري، والماورديّ عن ابن زيد-رحم الله الجميع-: أنّ الآية مثل في جماع النساء، أمر بإتيانهن في القبل، لا من الدبر، وسمّي النساء بيوتا للإيواء إليهن كالإيواء إلى البيوت. قال ابن عطية: وهذا بعيد مغير نمط الكلام. أقول:

بحث ذلك يأتي في الآية رقم [٢٢٢] الآتية، وانظر: (ائتوا) في الآية [٢٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>