للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتولد عن الغنى، كقوله تعالى: {كَلاّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى}. {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} أي: الجاحدون لنعمة الله، أو المكذبون برسله، وبما وعد لهم من ثواب الآخرة.

هذا؛ {وَيَقْدِرُ} بمعنى: يضيق، ويفقر من المال. قال تعالى: {اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ} وقال جل ذكره: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}. أما (وي) فقد قال ابن جني-رحمه الله-في المحتسب: في: {وَيْكَأَنَّهُ} ثلاثة أقوال: منهم من جعلها كلمة واحدة، فلم يقف على (وي)، ومنهم من يقف على: (وي)، ويعقوب يقف على: (ويك) وهو مذهب أبي الحسن، والوجه فيه عندنا قول الخليل، وسيبويه، وهو أن: (وي) على قياس مذهبهما اسم سمي به الفعل، فكأنه اسم فعل بمعنى: أعجب، ثم ابتدأ، فقال: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} ف‍: (كأنّه) هنا إخبار عار من معنى التشبيه، ومعناه: إن الله يبسط الرزق، و: (وي) منفصلة من (كأن)، وعليه بيت الكتاب، وأنشد قول سعيد بن زيد الصحابي أحد العشرة المبشرين بالجنة، -رضي الله عنه-: [الخفيف] وي كأن من يكن له نشب يح‍... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ

هذا كلامه، وهو خلاف ما صرح به سيبويه، قال: سألت الخليل عن قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ} وعن قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ..}. إلخ، فزعم أنها مفصولة من كأنّ، والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا، فتكلموا على قدر علمهم، أو نبهوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون هذا عندكم كذا، والله أعلم.

قال النحاس: يريد: أن معنى (وي) تنبيه يقولها الإنسان حين يستنكر أمرا، أو يستعظمه، فيقول: «وي!» فتكون (ويكأنّ) مركبة من (وي) للتنبيه، ومن (كأنّ) للتشبيه، وكذلك قال الأعلم. انتهى. بغدادي بتصرف. وقال الفراء: هي كلمة تقرير، كقولك: أما ترى إلى صنع الله، وإحسانه! وذكر أن أعرابية قالت لزوجها: أين ابنك ويلك؟! فقال: وي كأنه وراء البيت، أي:

أما ترينه وراء البيت! هذا؛ وعلى قول يعقوب: إن الوقف على: (ويك) جاء قول عنترة العبسي في معلقته رقم [٩٩]: [الكامل] ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

وعليه فالكاف حرف خطاب مضمومة إلى (وي) وأنه بمعنى: لأنه. وبقي قول آخر للكوفيين، وهو: أن (ويك) بمعنى: ويلك، بل وهو أصلها، فحذفت اللام، واتصلت الكاف ب‍: (وي) وفيه بعد في المعنى، والإعراب؛ لأن القوم لم يخاطبوا في الآية أحدا بخلاف بيت عنترة، ولأن حذف اللام من هذا لا يعرف، ولأنه كان يجب أن تكون «إن» مكسورة؛ إذ لا شيء يوجب فتحها. انتهى. من هنا وهناك. وقد ذكر الجمل الأقوال كلها باختصار، وإيجاز، والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>