صلّى الله عليه وسلّم حجّة واحدة، هي حجة الوداع، واعتمر أربع عمر، كلّها في ذي القعدة: عمرة الحديبية سنة ست، وعمرة القضاء سنة سبع، وعمرة الجعرّانة سنة ثمان، وعمرته التي اعتمر بها مع الحجّ سنة عشر، وما اعتمر في غير ذلك بعد هجرته، ولكن قال لأم هانئ:«عمرة في رمضان تعدل حجة معي». وسبب ذلك: أنها عزمت على الحج معه صلّى الله عليه وسلّم، فاعتاقت عن ذلك بسبب الطّهر، وقال سعيد بن جبير-رحمه الله تعالى-: هو من خصائصها.
هذا؛ والحج فرض في العمر مرّة واحدة متّفق عليه، وأما العمرة؛ فقد اختلف فيها، فقال جمع من الصحابة، والتابعين: هي فرض مثل الحجّ: وهو قول الشافعيّ، رحمه الله تعالى، وأحمد، رحمه الله تعالى، وسئل زيد بن ثابت-رضي الله عنه-عن العمرة قبل الحجّ، فقال:
صلاتان، لا يضرك بأيّهما بدأت. ذكره الدّارقطني. وروي مرفوعا عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الحجّ والعمرة فريضتان، لا يضرّك بأيهما بدأت».
وقال جمع من الصحابة، والتابعين: هي سنّة، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، رحمهما الله تعالى، وقالوا: معنى (أتموا): إلزام الإتمام؛ لو أحرم، وشرع، لا إلزام الابتداء. والله أعلم. هذا؛ وقرأ الشعبي، وأبو حيدة برفع تاء العمرة، وهي تدلّ على عدم الوجوب، وقرأ الجماعة بنصب التاء، وهي تدل على الوجوب.
{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ:} منعتم من إتمامهما، أو من أحدهما بعد الإحرام بها بسبب عدوّ، أو مرض، ونحو ذلك. والحصر: المنع، والحبس، وهو يحتمل أن يكون من الرّباعي: أحصر، ومن الثلاثي: حصر. وقال أبو عبيدة، والكسائي: أحصر بالمرض، وحصر بالعدو. وفي المجمل لابن فارس على العكس: حصر بالمرض، وأحصر بالعدو. وقالت طائفة: يقال: أحصر فيهما جميعا من الرّباعي، حكاه أبو عمر، والصحيح: أنهما يستعملان فيهما، وهو ما قدّمته أولا.
قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: الأكثر من أهل اللغة على أنّ حصر في العدو، وأحصر في المرض. وأصل الكلمة من الحبس، ومنه الحصير للذي يحبس نفسه عن البوح بسرّه، والحصير:
الملك لأنه كالمحبوس من وراء الحجاب. والحصير: الذي يجلس عليه لانضمام بعض طاقات القش إلى بعض.
تنبيه: من أنواع الإحصار في هذه الأيام ما يطلب من دراهم زيادة على رسوم الحجّ المعتادة بمعنى: أنّ من طلب منه ذلك لا يجب عليك الحجّ، ولا يكلّف المسلم أن يعطي للواسطة مبلغا من المال يشترطه عليه.
{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي: إذا منعتم من إتمام الحج، أو العمرة بمرض، أو عدوّ، وأردتم التحلّل؛ فعليكم أن تذبحوا ما تيسر من بدنة، أو بقرة، أو شاة. و {الْهَدْيِ:} هو ما يساق من النّعم ليذبحه المحرم بحجّ، أو عمرة في الحرم، فإن أحصر؛ ذبح في موضع الإحصار. وهو