للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشر صحائف، وكان أول من عذبته أمته لردهم دعوته، وأهلك الله أهل الشرك بدعائه، وكان أبا البشر كآدم، على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام. وكان أطول الأنبياء عمرا، عمّر ألفا وخمسين سنة، وقال وهب: عمّر نوح ألفا وأربعمائة سنة، وقيل غير ذلك، ولم تنقص قوته، ولم يشب، ولم تسقط له سن، وصبر على أذى قومه طول عمره، وكان أبواه مؤمنين؛ بدليل دعوته لهما بالمغفرة في الآية الآخرة في سورة (نوح).

وولد له أربعة أولاد: سام، وحام، ويافث، وكنعان، فالثلاثة الأول اتبعوه في دينه، وأما الرابع وهو كنعان، فقد انشق عنه وخالفه، كما رأيت تفصيله في سورة (هود). وروي: أنه عليه الصلاة والسّلام عاش عمره الطويل في بيت من شعر، فقيل له: يا نبي الله ابن بيتا، فقال: أموت اليوم، أو غدا. وقال وهب بن منبه: مرت بنوح خمسمائة سنة لم يقرب النساء وجلا من الموت.

{فَلَبِثَ فِيهِمْ:} أقام في قومه، ألف سنة إلا خمسين عاما: قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: هلاّ قيل: تسعمائة وخمسين سنة؟ قلت: ما أورده الله أحكم؛ لأنه لو قيل كما قلت لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره، وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك، وكأنه قيل: تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد، إلا أن ذلك أخصر، وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة، وفيه نكتة أخرى، وهي: أن القصة مسوقة لذكر ما ابتلي به نوح عليه السّلام من أمته، وما كابده من طول المصابرة تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتثبيتا له، فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه أوقع وأوصل إلى الغرض من استطاعة السامع مدة صبره.

فإن قلت: فلم جاء المميز أولا بالسّنة، وثانيا بالعام؟ قلت: لأن تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم، أو تهويل، أو تنويه، أو نحو ذلك. انتهى. كشاف. أما ذكر مدة لبثه في قومه عليه الصلاة والسّلام ففائدته تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه عليه الصلاة والسّلام كان يضيق صدره بسبب عدم إسلام قومه، وقد ذكر ذلك في آياته حيث قال له: {لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} فقال الله له: إن نوحا لبث هذا العدد الكثير من السنين، ولم يؤمن من قومه إلا القليل، فصبر، وما ضجر، فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة عدد أمتك. انتهى. نقلا عن الرازي بتصرف.

هذا؛ ونوح أحد الرسل أولي العزم، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم جميعا ألف صلاة، وألف سلام.

هذا؛ وروي: أنه لما أتاه ملك الموت، قال: يا نوح، يا أكبر الأنبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، كيف وجدت الدنيا؟ قال: مثل رجل بني له بيت، له بابان، فدخل من أحدهما، وخرج من الآخر. {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ} أي: الماء الكثير الذي نبع من الأرض، ونزل من السماء. {وَهُمْ ظالِمُونَ:} أنفسهم بالكفر، ومخالفة الواحد القهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>