للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ و ({نُسُكٍ}): جمع نسيكة، وهي الذّبيحة ينسكها العبد لله تعالى، ويجمع أيضا على:

نسائك، والنّسك في الأصل: العبادة، ومنه قوله تعالى حكاية، عن قول إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام في الآية رقم [١٢٨] -: {وَأَرِنا مَناسِكَنا} أي: متعبداتنا، وانظرها هناك، وانظر رقم [٢٠٠] الآتية. وقيل: إنّ أصل النسك في اللغة: الغسل، ومنه: نسك ثوبه: إذا غسله، فكأن العابد غسل نفسه من أدران الذنوب بالعبادة. هذا؛ وسمّيت ذبيحة الأنعام نسكا؛ لأنها من أعظم العبادات، التي يتقرب بها إلى الله تعالى. هذا؛ والمنسك بفتح السين، وكسرها:

المذبح، وهو موضع ذبح القربان، قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً..}. إلخ: الآية رقم [٣٤] من سورة (الحج). والمنسك: الشريعة، قال تعالى في سورة (الحج) رقم [٦٧]: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ}.

{فَإِذا أَمِنْتُمْ} أي: كنتم آمنين من أول الأمر، أو صرتم بعد الإحصار آمنين. {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} أي: أحرم بالعمرة قبل الحج، وفي أشهر الحج. وهذا يسمى متمتعا، ومتلذّذا يستمتع بما يستمتع به غير المحرم من الطّيب، واللّباس، والنّساء، وغيرها، فيصير بعد فراغه من العمرة كأهل مكّة، على أن يكون من أهل الآفاق، وقدم مكة، ففرغ من العمرة، ثمّ أقام بمكة حلالا إلى أن أنشأ الحجّ منها في عامه ذلك قبل رجوعه إلى بلده، أو قبل خروجه إلى ميقات أهل ناحيته، فإذا فعل ذلك صار متمتعا، وعليه ما أوجب الله على المتمتّع، وهو قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} يذبحه، ويعطيه للمساكين بمنى، أو بمكّة، وهو دم المتعة، وهو نسك عند أبي حنيفة، ويأكل منه، وعند الشّافعية يجري مجرى الجنايات، ولا يأكل منه، ويذبحه يوم النّحر عند أبي حنيفة، وعند الشّافعي: إذا أحرم بحجته. فإن لم يجد صام ثلاثة قبل يوم عرفة، وسبعة إذا رجع إلى بلده، وهذا دم ترتيب، وتقدير، وهو فداء لأمور كثيرة ذكرها ابن المقري رحمه الله تعالى بقوله: [الرجز]

أربعة دماء حجّ تحصر... أوّلها المرتّب المقدّر

تمتّع فوت وحجّ قرنا... وترك رمي والمبيت بمنى

وتركه الميقات والمزدلفه... أو لم يودّع أو كمشي أخلفه

ناذره يصوم إن دما فقد... ثلاثة فيه وسبعا في البلد

فقد اشتملت الآية الكريمة على ثلاثة أنواع من أنواع الدم الواجب في النّسك، وبقي الرابع يذكر في سورة (المائدة) في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ..}. إلخ الآية رقم [٩٥] هو دم تخيير، وتعديل، ويجب في شيئين، كما أشار إليه-رحمه الله-بقوله: [الرجز]

والثّالث التخيير والتّعديل في... صيد وأشجار بلا تكلّف

إن شئت فاذبح أو فعدّل مثل ما... عدّلت في قيمة ما تقدّما

<<  <  ج: ص:  >  >>