للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وأعظمه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله، وهو الجهاد الأكبر، فقد روى البيهقي بإسناد حسن صحيح: أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدموا من الجهاد، تلقاهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقال لهم: «مرحبا بكم قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر». قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟! قال: «جهاد النفس».

وقال عبد الله بن عباس، وإبراهيم بن أدهم-رضي الله عنهما-: الآية في الذين يعملون بما يعلمون؛ وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل بما علم؛ علّمه الله ما لم يعلم». ونزع بعض العلماء إلى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}. وقال عمر بن عبد العزيز-رضي الله عنه-: إنما قصّر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا، ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}.

{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} أي: طرق السير إلينا، والوصول إلى جنابنا، أو لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير، وتوفيقا لسلوكها، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ} وهاك أقوالا أخر في تفسير هذه الآية: فعن الفضيل قوله: والذين جاهدوا في طلب العلم؛ لنهدينهم سبل العمل به. وعن سهل قوله: والذين جاهدوا في إقامة السنة؛ لنهدينهم سبل الجنة. وعن ابن عطاء قوله: والذين جاهدوا في رضانا؛ لنهدينهم إلى الوصول إلى محل الرضوان. وعن ابن عباس قوله: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وعن الجنيد قوله: والذين جاهدوا في التوبة؛ لنهدينهم سبل الإخلاص، أو جاهدوا في خدمتنا، لنفتحنّ عليهم سبل المناجاة معنا، والأنس بنا، أو جاهدوا في طلبنا تحرّيا لرضانا؛ لنهدينهم سبل الوصول إلينا. انتهى. نسفي.

{وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ:} بالعون، والرعاية، والتوفيق، والهداية، ومع جميع الناس بالعلم، والقدرة، والإحاطة، فبين المعنيين بون، ومع المحسنين بالنصرة، والمعونة في الدنيا، وبالثواب والمغفرة في العقبى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {وَالَّذِينَ:} الواو: حرف استئناف. (الذين): اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {جاهَدُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فِينا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما.

{لَنَهْدِيَنَّهُمْ:} اللام: واقعة في جواب قسم محذوف. (نهدينهم): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، التي هي حرف لا محل له، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «نحن». {سُبُلَنا:} مفعول به، و (نا):

ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية: {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} جواب القسم

<<  <  ج: ص:  >  >>