(السجدة) وذكر في أول سورة (الأعراف){المص،} وفي أول سورة (الرعد){المر،} والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
{غُلِبَتِ الرُّومُ:} الروم اسم قبيلة، سميت باسم جدها الأول، وهو: روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، على نبينا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. وسبب نزول الآيات على ما ذكره المفسرون: أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم؛ لأن الفرس كانوا مجوسا أميين مثل المشركين، وكان المسلمون يودون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب مثل المسلمين، فبعث كسرى جيشا إلى الروم استعمل عليهم رجلا، يقال له:
شهريزان، وبعث قيصر جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى بخين. وقيل: بخنس، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى بلاد الشام إلى أرض العرب والعجم، فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة، فشق عليهم، وفرح به كفار قريش، وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أمّيّون، وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، وإنكم إن قاتلتمونا؛ لنظهرن عليكم.
فأنزل الله تعالى هذه الآية فخرج أبو بكر الصديق-رضي الله عنه-إلى كفار مكة، وقال:
فرحتم بظهور إخوانكم، فلا تفرحوا، فو الله لتظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلّى الله عليه وسلّم، فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحي، وقال: كذبت! فقال له الصديق-رضي الله عنه-: أنت أكذب يا عدوّ الله! فقال: اجعل أجلا أناحبك عليه، والمناحبة: القمار والمراهنة؛ أي: أراهنك عليه، فناحبه على عشر قلائص مني، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت لك، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت لي. ففعلوا، وجعلوا الأجل ثلاث سنين، فجاء أبو بكر -رضي الله عنه-إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبره بذلك، وكان ذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«ما هكذا ذكرت، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر، ومادده في الأجل». فخرج أبو بكر، رضي الله عنه، فلقي أبيّا، فقال: لعلك ندمت، فقال: لا، فتعال أزيدك في الخطر، وأماددك في الأجل فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين. وقيل: إلى سبع.
فلما خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه، ولزمه، وقال: إني أخاف أن تخرج من مكة، فأقم لي كفيلا ضامنا، فكفله ابنه عبد الله بن أبي بكر، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد، أتاه عبد الله بن أبي بكر، فلزمه، وقال: لا أدعك حتى تعطيني كفيلا، فأعطاه كفيلا، ثم خرج إلى أحد، ثم رجع أبي بن خلف إلى مكة، ومات بها من جراحته التي جرحه إياها النبي صلّى الله عليه وسلّم حين بارزه، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك على رأس سبع سنين من مناحبتهم. وقيل: كان يوم بدر، وربطت الروم خيولهم بالمدائن.
وبنوا بالعراق مدينة، وسمّوها روميّة، فقمر أبو بكر-رضي الله عنه-أبيّا، وأخذ مال الخطر