من ورثته، وجاء به إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك قبل أن يحرّم القمار، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم:«تصدق به». انتهى. خازن.
وكان سبب غلبة الروم فارسا على ما قاله عكرمة وغيره: أن شهريزان لما غلب الروم لم يزل يطؤهم، ويخرب مدائنهم؛ حتى بلغ الخليج، فبينا أخوه فرّخان جالس ذات يوم يشرب؛ قال لأصحابه: لقد رأيت أني جالس على سرير كسرى، فبلغت كلمته كسرى! فكتاب إلى شهريزان:
إذا أتاك كتابي فابعث إليّ برأس أخيك فرّخان! فكتاب إليه: أيها الملك! إنك لم تجد مثل فرخان، إن له لنكاية، وصولة في العدو، فلا تفعل! فكتاب إليه: إن في رجال فارس خلفا عنه، فعجّل إليّ برأسه! فراجعه، فغضب كسرى، ولم يجبه وبعث بريدا إلى أهل فارس: إني قد عزلت عنكم شهريزان، واستعملت عليكم فرخان، ثم بعث مع البريد صحيفة صغيرة، وأمره فيها بقتل شهريزان، وقال: إذا ولي فرّخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه الصحيفة.
فلما وصل البريد إلى شهريزان عرض عليه كتاب كسرى، فلما قرأه قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سرير الملك، وأجلس عليه أخاه فرّخان، فدفع البريد الصحيفة إلى فرخان فلما قرأها استدعى أخاه شهريزان، وقدمه ليضرب عنقه، فقال له: لا تعجل حتى أكاتب وصيتي! قال:
نعم، فدعا بسفط، ففتحه، وأعطاه ثلاث صحائف منه، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت تريد قتلي بكتاب واحد، فرد فرخان الملك إلى أخيه شهريزان.
ثم كتاب إلى قيصر ملك الروم: أما بعد: إن لي إليك حاجة، لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقني في خمسين روميّا حتى ألقاك في خمسين فارسيا، فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق، مخافة أن يمكر به شهريزان حتى أتاه عيونه، فأخبروا: أنه ليس معه إلا خمسون فارسيا، فلما التقيا ضربت لهما قبة، فيها ديباج، فدخلاها ومع كل واحد منهما سكين، ودعيا بترجمان يترجم بينهما، فقال شهريزان: إن الذي خرب بلادك أنا، وأخي بكيدنا، وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، وأراد أن يقتل أخي، فأبيت عليه، ثم أمر أخي بقتلي، فأبى عليه، وقد خلعناه، ونحن نقاتله معك، فقال: قد أصبتما، وأشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين، فإذا جاوزهما فشا، فقتلا الترجمان معا بسكينهما، ونشبت الحروب بعدئذ، وأديل للروم على فارس عند ذلك، وغلبوهم، وقتلوهم، وجاء الخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الحديبية، ففرح، ومن كان معه من المسلمين بذلك، فذلك قوله تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ..}. إلخ. انتهى. خازن. والبادئ في الحرب الأولى الفرس، وفي هذه الروم.
{أَدْنَى:} أقرب. قال ابن عطية، فإن كانت الواقعة بأذرعات، فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة، وهي التي ذكرها امرؤ القيس في قوله:[الطويل] تنوّرتها من أذرعات وأهلها... بيثرب أدنى دارها نظر عالي