للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ و «عكاظ» نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليال. و «ذو المجاز» خلف عرفة. و «مجنة» بمر الظهران، قرب جبل، يقال له: الأصفر، وهو بأسفل مكة على قدر ميل منها. وهذه أسواق للعرب، وكان أهل الجاهلية يصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة، ثم يذهبون منه إلى مجنّة بعد مضي عشرين يوما من ذي القعدة، فإذا رأوا هلال ذي الحجّة؛ ذهبوا من مجنّة إلى ذي المجاز، فلبثوا فيه ثماني ليال، ثم يذهبون إلى عرفة، ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة، لمّا خرج الحروري بمكّة مع أبي حمزة المختار بن عوف، خاف الناس أن ينتهبوا، فتركت إلى الآن، ثمّ ترك ذو المجاز، ومجنّة بعد ذلك، واستغنوا بالأسواق بمكّة، وبمنى، وعرفة.

هذا وفي الآية دليل على جواز التجارة في الحج للحاج مع أداء العبادة، وأن القصد إلى ذلك لا يعدّ شركا، ولا يخرج به المكلّف عن اسم الإخلاص المفترض عليه؛ ما لم يكن الباعث على التّجارة أقوى من الباعث على الحج، فقد روى الدّارقطنيّ في سننه عن أبي أمامة التيمي-رضي الله عنه-قال: قلت لابن عمر-رضي الله عنهما-: إنّي رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناسا يقولون:

إنه لا حجّ لك، فقال: جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله مثل هذا الذي سألتني، فسكت حتى نزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ..}. إلخ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لك حجّا».

{فَإِذا أَفَضْتُمْ:} أي: اندفعتم، يقال: أفاض الإناء: إذا امتلأ؛ حتى ينصبّ عن نواحيه.

ورجل فياض، أي: متدفق بالعطاء. قال زهير بن أبي سلمى في ممدوحه: [الطويل]

وأبيض فيّاض يداه غمامة... على معتفيه ما تغبّ فواضله

هذا؛ وفاض: لازم، وأفاض متعدّ، تقول: فاض الإناء، وأفضته، أي: ملأته. {مِنْ عَرَفاتٍ:} اسم علم سمي بلفظ الجمع كأذرعات في قول امرئ القيس، وهو الشاهد رقم [١٨٨] من كتابنا: «فتح رب البرية» إعراب شواهد جامع الدروس العربية: [الطويل]

تنوّرتها من أذرعات وأهلها... بيثرب أدنى دارها نظر عالي

فقد قرئ {عَرَفاتٍ} بالتنوين، وهي قراءة الجماعة، والتنوين هنا بمنزلة النون في مسلمين.

قال النحاس: هذا الجيد. وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات، يقول: هذه عرفات يا هذا، ورأيت عرفات يا هذا، ومررت بعرفات يا هذا، بكسر التاء، وبغير تنوين، قال:

لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين، وحكى الأخفش، والكوفيّون فتح التاء تشبيها بتاء فاطمة، وطلحة؛ أي: فهو ممنوع من الصرف، وانظر الكلام على بيت امرئ القيس في الكتاب المذكور؛ فإنّه جيد، والحمد لله!.

هذا؛ وسميت تلك البقعة المقدسة عرفات؛ لأنها وصفت لإبراهيم على نبينا وعليه ألف صلاة وألف سلام، فلما رآها؛ عرفها، وقيل: إنّ جبريل عليه السّلام حين كان يدور به في

<<  <  ج: ص:  >  >>