المشاعر أراه إيّاها، فقال: قد عرفت. وقيل: لأنّ الناس يتعارفون فيها، إذا أوقفوا جميعا في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وقيل: لأن آدم-عليه السّلام-لمّا هبط في الهند، وحواء -عليها السّلام-هبطت بجدّة، فاجتمعا بعد طول الطلب بعرفات يوم عرفة، وتعارفا، فسمّي اليوم: عرفة، والموضع: عرفات. والله أعلم بحقيقة ذلك. والظاهر أنّ اسمه مرتجل كسائر أسماء البقاع. وعرفة هي نعمان الأراك، وفيها يقول الشاعر:[الطويل]
تزوّدت من نعمان عود أراكة... لهند، ولكن من يبلّغه هندا
وقيل: مأخوذ اسمها من العرف، وهو الطّيب. قال تعالى في سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم:{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ} أي: طيّبها؛ بخلاف «منى» التي فيها الفروث، والدّماء. هذا؛ والوقوف بعرفات هو الرّكن الهامّ في الحج، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«الحجّ عرفة، فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحجّ».
ووقت الوقوف بعرفة من زوال الشّمس يوم التاسع إلى طلوع الفجر صباح العيد. وانفرد الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-بجواز الوقوف من أوّل يوم عرفة، وحديث عروة بن مضرّس-رضي الله عنه-مشهور مسطور، والجمع بين الليل، والنهار في موقف عرفة سنة عند الشّافعي، وواجب عند أبي حنيفة ولازم عند مالك، وأحمد. يقول بقول الشافعي، والأحسن والأفضل الجمع بين اللّيل والنهار للتّوفيق بين جميع المذاهب، وعليه العمل الآن، فلا يدفع أحد من عرفة إلا بعد غروب الشمس. هذا؛ وتصلّى صلاة العصر مع الظّهر في يوم عرفة جمع تقديم مع القصر. هذا؛ وعرفة كلّها موقف إلا بطن عرنة، فمن وقف فيه، واقتصر عليه؛ فلا يصحّ حجّه.
جبل صغير في المزدلفة، يقال له: قزح. والمشعر: المعلم؛ لأنه معلم للعبادة، وصف بالحرام لحرمته، وتعظيمه، وسميت تلك الأرض: المزدلفة، وجمعا؛ لأن آدم اجتمع فيها مع حواء، وازدلف إليها؛ أي: ودنا منها. أو لأن الحاج يجمع فيها بين صلاتي المغرب، والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء فقط، أو لأن الناس يزدلفون فيها إلى الله، يتقرّبون بالوقوف، والدّعاء فيها. والمبيت بمزدلفة يدخل وقته بنصف ليلة العيد إلى طلوع الفجر، وليس ركنا من أركان الحج، فمن فاته الوقوف فيه يذبح شاة، انظر الدماء في الآية رقم [١٩٦]. ومزدلفة كلها موقف إلا بطن محسّر؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«عرفة كلّها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلّها موقف، وارتفعوا عن بطن محسّر». أخرجه مالك في موطّئه.
{وَاذْكُرُوهُ:} بالدعاء والتلبية... إلخ. {كَما هَداكُمْ:} أي: لهدايتكم، أو لهدايته إيّاكم، إلى الخير، والأعمال الصّالحة. ففيه تنبيه لهم على ما أنعم الله به عليهم من الهداية، والبيان، والإرشاد إلى مشاعر الحجّ، على ما كان عليه من الهداية لإبراهيم الخليل، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ولهذا قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ} أي: من