كخراطيم الفيلة، فتشرب بها من مائه، فيسمع لها عند ذلك صوت مزعج، ثم تصعد إلى الجو، وترتفع، فيلطف ذلك الماء، ويعذب بإذن الله تعالى في زمن صعودها، ثم تمطره حيث شاء العلي القدير. هذا ونص الآية يرد هذا الاعتقاد، وأما عند أهل السنة، فهم يقولون: إن أصله من الجنة، يأتي به المولى القدير من السحاب من خروق فيها كخروق الغربال.
وأقول: إن ما ينزل من السماء من مطر بعضه من ماء البحار المالحة الأرضية، وبعضه من خزائن القدرة على أن الأول لا ينبت وإنما الإنبات والخصب في الثاني، وعلامة الأول أنه ينزل غزيرا كأنما ينصب من أفواه قرب، وأما ما يقوله الدهريون الملحدون: إن الطبيعة تمطر فهو كفر صراح.
{فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها:} انظر الآية رقم [١٩]. {إِنَّ فِي ذلِكَ} أي: فيما ذكر في هذه الآية. {لَآياتٍ:} لدلالات واضحة على قدرة الله تعالى. {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي: يفهمون.
وإذا فهموا؛ تدبروا، وإذا تدبروا؛ اتعظوا، وتذكروا؛ وإذا اتعظوا؛ آمنوا، ووحدوا، وإذا آمنوا؛ عبدوا الله.
الإعراب:{وَمِنْ:} الواو: حرف عطف. (من آياته): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {يُرِيكُمُ:} هذا الفعل مقدر ب: «أن يريكم» وعليه فأن المقدرة والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر، ومثل ذلك قول طرفة بن العبد في معلقته رقم [٦٠]: [الطويل] ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى... وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي؟
بنصب «أحضر» بعد حذف أن الناصبة، وهي رواية الكوفيين، ولكن لم يقرأ أحد بنصب الفعل في الآية، أو الفعل منزل منزلة المصدر، كما في قول طرفة المذكور في رفع «أحضر» وهي رواية البصريين، ومنه المثل العربي:«تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» فيروى «تسمع» برفعه، ونصبه، وإنزال الفعل منزلة المصدر واضح في قول عروة بن الورد العبسي، المعروف بعروة الصعاليك:[الوافر] فقالوا: ما تشاء؟ فقلت: ألهو... إلى الإصباح آثر ذي أثير
هذا؛ أو: الجملة الفعلية: {يُرِيكُمُ} في محل رفع صفة لمبتدإ محذوف، التقدير: ومن آياته آية يريكم بها البرق، كما قال ابن مقبل الشاعر:[الطويل] وما الدّهر إلاّ تارتان فمنهما... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
التقدير: فمنهما تارة أموت منها. وقيل: التقدير: ومن آياته أنه يريكم البرق. وتعسف أبو البقاء وجها آخر، فاعتبر:(من آياته) متعلقين بمحذوف حال من البرق، وقال التقدير: يريكم