للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روي من حديث أنس-رضي الله عنه-قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أولاد المشركين، فقال: «لم تكن لهم حسنات فيجزوا بها، فيكونوا من ملوك الجنّة، ولم تكن لهم سيّئات فيعاقبوا عليها، فيكونوا من أهل النّار، فهم خدم لأهل الجنّة». ذكره يحيى بن سلام في التفسير له.

وقال أبو بكر الوراق-رحمه الله تعالى-: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها} هي الفقر، والفاقة، وهذا حسن فإنه منذ ولد إلى حين يموت فقير محتاج، نعم؛ وفي الآخرة؛ أي: أحوج إلى فضل الله تعالى. انتهى. قرطبي بتصرف.

{لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} أي: هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخالق، ولا يجيء الأمر على خلاف هذا بوجه، أي: لا يشقى من خلقه سعيدا، ولا يسعد من خلقه شقيا. وقال مجاهد:

المعنى لا تبديل لدين الله، ويدل عليه ما بعده. وقاله قتادة، وابن جبير، والضحاك، وابن زيد، والنخعي، والزجاج، قالوا: هذا معناه في المعتقدات. وقال عكرمة: وروي عن ابن عباس، وعمر بن الخطاب-رضي الله عنهم أجمعين-: أن المعنى لا تغيير لخلق الله من البهائم أن تخصى فحولها، فيكون معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان.

{ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: دين الإسلام هو الدين القيم المستقيم، فالإشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له، أو الفطرة؛ إن فسرت بالملة، أو الطريقة، {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي: لا يتفكرون، فيعلمون: أن لهم خالقا معبودا، وإلها قديما سبق قضاؤه، ونفذ حكمه. وانظر الآية رقم [٦] تجد ما يسرك.

هذا؛ والدين بكسر الدال اسم لجميع ما يتعبد به الله تعالى. والدين أيضا: الملة، والشريعة.

ومن هذا قوله تعالى: {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ}. والدّين: الحساب، والجزاء، ومنه:

يوم الدين، أي: يوم الجزاء، والحساب. ومنه: كما تدين تدان، أي: كما تفعل تجازى. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: يوم الدّين: يوم حساب الخلائق يدينهم بأعمالهم، إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا فشرّ، إلا من عفى الله عنه، والأمر أمره، ثم قال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}. هذا؛ والدّين بفتح الدال: القرض المؤجل، وجمع الأول: أديان، وجمع الثاني: ديون، وأدين. هذا؛ والدينونة: القضاء، والحساب، والديانة: اسم لجميع ما يتعبد به الله تعالى.

أما {الْقَيِّمُ} فهو المستقيم، المعتدل، أي: لا إفراط فيه، ولا تفريط، وأصله: القيوم:

فقلبت الواو ياء، ثم أدغمت الياء في الياء، وهذا على القاعدة: «إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء»، وانظر سورة (يوسف) رقم [٤٠].

الإعراب: {فَأَقِمْ:} الفاء: حرف استئناف، وقيل: الفصيحة، وهو ضعيف معنى. (أقم):

فعل أمر، وفاعله مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت». {وَجْهَكَ:} مفعول به، والكاف ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {لِلدِّينِ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {حَنِيفاً:} حال من

<<  <  ج: ص:  >  >>