للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دين الله. انتهى. ولكن لا اعتبار بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا، وإنما يعتبر الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة، والفعل، ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه». فهو مع وجود الإيمان الفطري، فإنه محكوم له بحكم أبويه الكافرين.

وحكي عن عبد الله بن المبارك-رحمه الله تعالى-: أنه قال: معنى الحديث: أن كل مولود يولد على فطرته؛ أي: خلقته التي خلقه الله عليها، في علمه تعالى من السعادة، والشقاوة، فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه، وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها، فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين، أو نصرانيين، فيحملانه على اعتقاد دينهما. انتهى. أقول:

وإذا كان الله قد قدر له السعادة، فيهديه إلى الإيمان، فيترك دين أبويه، ويؤمن بالله، ورسوله.

وقيل: معناه: أن كل مولود في مبدأ الخلقة على الفطرة، أي على الجبلة السليمة، والطبع المتهيئ لقبول الدين، فلو ترك عليها؛ لاستمر على لزومها؛ لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول السليمة، والحجة المستقيمة، وإنما يعدل عنه من عدل إلى غيره؛ لأنه من آفات التقليد، ونحوه، فمن سلم من تلك الآفات، لم يعتقد غيره، فعرف الحق، وعرف دين الإسلام، وقد دل على صحة هذا المعنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء». أي: كما تلد البهيمة بهيمة مستوية، لم يذهب من بدنها شيء.

ولا بأس بهذا القول، وأن انحراف العبد عن الفطرة السليمة، يظهر بعد أن يدرك، ويعقل أمر الدنيا، وقد تأكدت حجة الله عليه بما نصب من الآيات الظاهرة من خلق السموات والأرض، والشمس والقمر، والبر والبحر، واختلاف الليل والنهار، فلما عملت أهواؤه فيه؛ أتته الشياطين، فدعته إلى اليهودية، أو النصرانية، أو الوثنية فذهبت بأهوائه يمينا، وشمالا، وهو إن مات صغيرا فهو في الجنة، وأعني: جميع أطفال الكفار من يهود، ونصارى، ومجوس، بل ووثنيين؛ لأن الله لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صور الذر؛ أقروا له بالربوبية والوحدانية وهو فحوى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ..}. إلخ الآية رقم [١٧١] من سورة (الأعراف).

ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بالربوبية، وأنه الله لا إله غيره، ثم يكتب العبد في بطن أمه شقيا، أو سعيدا على الكتاب الأول، فمن كان في الكتاب الأول شقيا عمّر حتى يجري عليه القلم، فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك، ومن كان في الكتاب الأول سعيدا عمّر حتى يجري عليه القلم، فيصير سعيدا، ومن مات صغيرا من أولاد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة؛ لأنهم ماتوا على الميثاق الأول الذي أخذ عليهم في صلب آدم، ولم ينقضوا الميثاق. ذهب إلى هذا جماعة من أهل التأويل، وهو يجمع بين الأحاديث، ويكون معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم لما سئل عن أولاد المشركين، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» أي: لو بلغوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>