قال تعالى: {أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ} والصخرة على متن الريح، والريح على القدرة. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه، وما أحسن قول البيضاوي: في أخفى مكان، وأحرزه، كجوف صخرة، أو أعلاها كمحدّب السموات، أو أسفله كمقعّر الأرض. هذا؛ وقرئ: «(فتكن)» بكسر الكاف، من: وكن الطائر: إذا استقر في وكنته.
{يَأْتِ بِهَا اللهُ:} يحضرها يوم القيامة ويحاسب عليها، وهذا على اعتبار ضمير {إِنَّها} مقصود به الفعلة الحسنة، أو السيئة، وأما على اعتباره مقصودا به رزق الإنسان؛ فيكون المعنى:
لو كان للإنسان رزق مثقال حبة خردل في هذه المواضع؛ جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه، ويكون محصله: لا تهتم للرزق؛ حتى تشتغل به عن أداء الفرائض، وعن اتباع سبيل من أناب إليّ. ومن هذا المعنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: «لا تكثر همّك، ما يقدّر يكن، وما ترزق يأتك». والأحاديث النبوية في هذا الباب مشهورة مسطورة في كتاب: الترغيب والترهيب، وغيره.
{إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ:} يصل علمه إلى كل خفي. {خَبِيرٌ:} عالم بكنهه، أو: هو لطيف باستخراج الحبة خبير بمستقرها، أو: هو لطيف باستخراج النبات من الأرض رزقا للعباد، والحيوان، خبير بالتدابير الظاهرة، والباطنة، وخبير بحاجات العباد، وفاقتهم، وخبير بما في قلوب العباد إذا نزل بهم الضر، وخبير بمصالح عباده.
ومعنى الآية: له جل شأنه، وتعالت حكمته الإحاطة بجميع الأشياء: صغيرها، وكبيرها.
قيل: إن هذه الكلمة آخر كلمة قالها لقمان لابنه، فانشقت مرارة ابنه من هيبتها، وعظمتها فمات. والله أعلم.
هذا؛ وإن الضمير في قوله تعالى: {إِنَّها إِنْ تَكُ..}. إلخ يعود إلى غير مذكور، وهو مفهوم يدل عليه المقام، والحال المشاهدة، ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (هود): {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ،} وقوله تعالى في سورة (القيامة): {كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ} أي بلغت الروح التراقي، وأيضا قوله تعالى في سورة (الواقعة): {فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أي: بلغت الروح الحلقوم، ومثل هذه الآيات قول بشار بن برد: [الطويل]
إذا ما أعرنا سيّدا من قبيلة... ذرا منبر صلّى علينا وسلّما
إذا ما غضبنا غضبة مضريّة... هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما
والبيتان هما الشاهد رقم [١٩٠] من كتابنا فتح رب البرية.
أما {تَكُ،} فأصله: تكون، فلما دخل الجازم صار: إن تكون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، فصار «إن تكن» ثم حذفت النون للتخفيف، ولكثرة الاستعمال. وهذا الحذف جائز