{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} أي: نفر من منى إلى مكّة في اليوم الثاني من أيام التشريق. {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ:} فلا مؤاخذة عليه بشرط أن ينفر قبل الغروب، ويرمي فيه بعد الزوال عند الأئمة الثلاثة، إلا أبا حنيفة فإنّه يجيز الرّمي قبل الزوال، بخلاف الرمي يوم العيد، فإنّه يدخل وقته بنصف ليلة النّحر. {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} أي: تأخر في الخروج من منى إلى اليوم الثالث من أيام التشريق؛ فلا حرج، ولا جناح عليه. وينبغي أن تعلم: أن المبيت بالمزدلفة، وبمنى، والرّمي في يوم العيد، وفي اليوم الثاني بعده، والثالث: وهو الثاني من أيام التّشريق واجب، فمن ترك شيئا من ذلك فعليه دم، انظر ما ذكرته في الدّماء في الآية رقم [١٩٦]. {لِمَنِ اتَّقى} الله في حجّه بأن قام بشرطه، وأركانه، وواجباته، وآدابه.
{وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا..}. إلخ؛ أي: خافوا الله، وأيقنوا: أنكم مجموعون إليه للحساب، والجزاء، فيجازيكم بأعمالكم، إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا؛ فشرّ. هذا؛ وأصل:({اِتَّقى}) و ({اِتَّقُوا}) اوتقى، واوتقوا، فقلبت الواو تاء، وأدغمت التاء بالتاء.
تنبيه: يكثر النهي في القرآن الكريم عن العجلة، واستعجال الشيء قبل أوانه، وهذا النهي أكثر ما يوجّه للكافرين الذين طلبوا استعجال العذاب، وقد يوجه إلى بني آدم جميعا، وقد توجّه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في سورة (طه) رقم [١١٤] وفي سورة (القيامة) أيضا. بينما حث الله تعالى على المسارعة إلى فعل الطاعات، فقال تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١٣٣]: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وقال جل ذكره في سورة (الحديد) رقم [٢١]: {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} كما وصف أنبياءه، ورسله بأنهم {كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ} في الآية رقم [٩٠] من سورة (الأنبياء) وهذا لا يناقض ما ورد: «العجلة من الشّيطان، والتّأنّي من الرّحمن». وقال الشاعر:[البسيط]
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
لأن المسارعة إلى الطّاعات مستثناة من ذلك، كما أنّ هناك أمورا تسن المبادرة إلى فعلها كأداء الصلاة المكتوبة إذا دخل وقتها، وقضاء الدين بحق الموسر، وتزويج البكر البالغ إذا أتى الكفؤ، ودفن الميت، وإكرام الضيف إذا نزل. وخذ ما يلي: فعن عليّ-رضي الله عنه، وكرّم الله وجهه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عليّ! ثلاث لا تؤخّرها: الصّلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت كفؤا». أخرجه الترمذي، وجاء في الشّعر العربي الحثّ على العجلة، قال بشار بن برد الأعمى:[البسيط]
من راقب النّاس لم يظفر بحاجته... وفاز بالطّيّبات الفاتك اللهج