ويعني بقوله في:(تلك حجتنا) آيات الأنعام المذكورة. وينبغي أن تعلم: أن هؤلاء الرسل ليسوا بدرجة واحدة من الفضل؛ بل أرفعهم درجة، وأعلاهم منزلة، أولو العزم منهم، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد. وسيد الجميع، وأفضل الخلق قاطبة محمد صلّى الله عليهم جميعا، وسلم تسليما. والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين تجوز عليهم الأعراض البشرية؛ لأنهم من البشر، فهم يأكلون، ويشربون، ويصحون، ويمرضون، وينكحون النساء، ويمشون في الأسواق، وتعتريهم الأعراض البشرية، من ضعف، وشيخوخة، وموت، إلا أنهم يمتازون بخصائص، ويتصفون بصفات عظيمة جليلة، هي بالنسبة لهم من ألزم اللوازم، وهي ما يلي: الصدق، والأمانة، والتبليغ، والفطانة، والعصمة من المعاصي قبل النبوة، وبعدها، والسلامة من العيوب المنفرة.
الإعراب:(يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو، أو: أنادي. (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في محل نصب ب: (يا)، و (ها): حرف تنبيه لا محل له، وأقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه. {النَّبِيُّ:} بعضهم يعرب هذا وأمثاله نعتا، وبعضهم يعربه بدلا، والقول الفصل:
أن الاسم الواقع بعد أي، وبعد اسم الإشارة إن كان مشتقا؛ فهو نعت، وإن كان جامدا؛ فهو بدل، أو عطف بيان، والمتبوع أعني «أي» منصوبا محلا، فكذا التابع، أعني {النَّبِيُّ،} وأمثاله، فهو منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الاتباع اللفظية، وإنما أتبعت ضمة البناء مع أنها لا تتبع؛ لأنها وإن كانت ضمة بناء؛ لكنها عارضة، فأشبهت ضمة الإعراب، فلذا جاز إتباعها. أفاده الصبان؛ لأنه قال: والمتجه وفاقا لبعضهم أن ضمة التابع إتباع، لا إعراب، ولا بناء. وقيل: إن رفع التابع المذكور إعراب، واستشكل بعدم المقتضي للرفع، وأجيب بأن العامل يقدر من لفظ عامل المتبوع مبنيا للمجهول، نحو: يدعى، وهو مع ما فيه من التكليف، يؤدي إلى قطع المتبوع. وقيل: إن رفع التابع المذكور بناء؛ لأن المنادى في الحقيقة هو المحلى بال، ولكن لما لم يمكن إدخال حرف النداء عليه توصلوا إلى ندائه بأي، أي مع قرنها بحرف التنبيه، ورده بعضهم بأن المراعى في الإعراب اللفظ، وأن الأول منادى؛ والثاني تابع له، والإعراب السائد الآن أن تقول: مرفوع تبعا للفظ. انتهى. جرجاوي.
هذا؛ والأخفش يعتبر «أيا» في مثل هذه الآية موصولة، و {النَّبِيُّ} خبرا لمحذوف، والجملة الاسمية صلة، وعائد، التقدير: يا من هو النبي، على أنه قد حذف العائد حذفا لازما كما في قول امرئ القيس:[الطويل] ألا ربّ يوم صالح لك منهما... ولا سيّما يوم بدارة جلجل
وهذا هو الشاهد، رقم [٢٤٢] من كتابنا فتح القريب المجيب، وما قاله الأخفش لا يعتد به عند جمهرة النحاة. {اِتَّقِ:} فعل أمر مبني على حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها