للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخراجكم الذي هو الحق، ولا ينبغي أن يستحيا منه. ولما كان الحياء مما يمنع الحيي من بعض الأفعال؛ قيل: {لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ،} أي لا يمنع منه، ولا يتركه ترك الحيي منكم. هذا أدب أدب الله به الثقلاء، وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: حسبك في الثقلاء أن الله تعالى لم يحتملهم، وقال: {فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا}. {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً:} وإذا سألتم نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم شيئا مما ينتفع به. {فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} أي: من وراء ستر، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم منتقبة كانت، أو غير منتقبة.

هذا؛ وفيما تقدم المطابقة بين قوله: ادخلوا، وانتشروا، وبين الإيجاب والسلب في قوله تعالى: {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} وهذا من المحسنات البديعية.

{ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ:} من خواطر الشيطان، وعوارض الفتن، وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال، وكان عمر-رضي الله عنه-يحب ضرب الحجاب عليهن، ويود أن ينزل فيه، وقال: يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فنزلت. وذكر أن بعضهم قال: أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد لأتزوجن فلانة، فنزل قوله تعالى: {وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ..}. إلخ.

{إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً} أي: ذنبا عظيما، وهذا من إعلام تعظيم الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وإيجاب حرمته حيا، وميتا، وإعلامه بذلك مما طيب نفسه، وسر قلبه، واستفرغ شكره، فإن من الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت قبله لئلا تنكح غيره بعده، وانظر شرح:

{وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ} في الآية رقم [٣٦].

وإنما حرمن على غيره صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه حي في قبره، ورعاية لشرفه، ولأنهن أزواجه في الجنة، ولأنهن أمهات المؤمنين، ولأن المرأة في الجنة مع آخر أزواجها، ويرد على قوله: لأنه حي في قبره بقية الأنبياء، فإن أزواجهم يجوز لغيرهم من الأنبياء التزوج بهن مع أنهم أحياء في قبورهم، وكذا الشهداء يجوز لغيرهم التزوج بنسائهم مع أنهم أحياء، فالأولى الاقتصار على التعاليل اللاتي بعده، ونساء باقي الأنبياء يحرمن على غير الأنبياء.

تنبيه: قال أكثر المفسرين: نزلت الآية الكريمة في شأن وليمة زينب بنت جحش حين بنى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. روى الشيخان عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: كنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في بناء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بزينب بنت جحش حين أصبح النبي صلّى الله عليه وسلّم بها عروسا، فدعا القوم، فأصابوا من الطعام، ثم خرجوا، وبقي رهط عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأطالوا المكث فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج، وخرجت معه لكي يخرجوا، فمشى ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة-رضي الله عنها-ثم ظن: أنهم قد خرجوا، فرجع، ورجعت معه، حتى إذا دخل على زينب؛ فإذا هم جلوس، لم يقوموا، فرجع، ورجعت معه؛

<<  <  ج: ص:  >  >>