للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجمع المفعول به، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ،} وقال جل ذكره: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها}.

{إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: {ظَلُوماً} لنفسه. {جَهُولاً} بأمر ربه، وما تحمل من الأمانة. وقيل: {ظَلُوماً} حين عصى ربه. {جَهُولاً} لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة؟ وقيل: {ظَلُوماً جَهُولاً} حيث حمل الأمانة، ولم يف بها، وضمنها، ولم يف بضمانها. انتهى. خازن.

هذا؛ و (جهول) وصف للجنس باعتبار الأغلب، وكون الإنسان ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوة الغضبية، والشهوية الحيوانية. وخذ ما يلي:

فعن حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه-قال: حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديثين، قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: أنّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرّجال، ثمّ نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السّنّة. ثم حدّثنا عن رفع الأمانة، فقال: ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك، فنفط، فتراه منتبرا، وليس فيه شيء (ثمّ أخذ حصاة فدحرجها على رجله) فيصبح النّاس يتبايعون، لا يكاد أحد يؤدّي الأمانة حتّى يقال: إنّ في بني فلان رجلا أمينا، حتّى يقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان، ولقد أتى عليّ زمان، وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما؛ ليردّنّه على دينه، ولئن كان نصرانيا، أو يهوديا؛ ليردّنّه على ساعيه. وأمّا اليوم فما كنت لأبايع منكم إلاّ فلانا وفلانا. متفق عليه. انتهى. خازن.

وروى البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: «بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مجلس يحدّث القوم، فجاء أعرابيّ، فقال: متى السّاعة؟ فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدّث، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكره ما قال. وقال بعضهم: لم يسمع. حتّى إذا قضى حديثه، قال: «أين السّائل عن السّاعة؟». قال: ها أنا يا رسول الله، قال: «إذا ضيّعت الأمانة فانتظر السّاعة». قال:

كيف إضاعتها يا رسول الله؟! قال: «إذا وسّد الأمر إلى غير أهله؛ فانتظر السّاعة».

وعن علي-رضي الله عنه وكرم الله وجهه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «كنّا جلوسا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطلع علينا رجل من أهل العالية، فقال: يا رسول الله! أخبرني بأشدّ شيء في هذا الدّين، وألينه؟ فقال: «ألينه: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمدا عبده ورسوله. وأشدّه يا أخا العالية! الأمانة، إنّه لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة له، ولا زكاة له». رواه البزار.

هذا؛ و (جهول): صيغة مبالغة اسم الفاعل: جاهل، وهو من يجهل ما يتعلق به من المكروه، والمضرة. ومن حق الحكيم ألاّ يقدم على شيء حتى يعلم كيفيته، وحاله، ولا يشتري الحلم بالجهل، ولا الأناة بالطيش، ولا الرفق بالخرق، كما قال أبو ذؤيب الهذلي: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>