للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبينا، وعليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم. وقيل: المعنى سيري معه حيث شاء، من: التأويب الذي هو سير النهار أجمع، وينزل الليل، قال ابن مقبل: [الطويل]

لحقنا بحيّ أوّبوا السّير بعد ما... دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح

وقرأ الحسن، وقتادة وغيرهما: (أوبي معه) أي: ارجعي معه، من آب، يؤوب: إذا رجع، أوبا، وأوبة، وإيابا. وقيل: المعنى تصرفي معه على ما يتصرف عليه داود بالنهار، فكان إذا قرأ الزبور صوتت معه الجبال، وأصغت إليه الطير، فكأنها فعلت ما فعل. وقال وهب بن منبه:

المعنى: نوحي معه، والطير تساعده على ذلك، فكان إذا نادى بالنياحة؛ أجابته الجبال بصداها، وعكفت الطير عليه من فوقه. وصريح قوله تعالى في الآية رقم [٧٩] من سورة (الأنبياء): {وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ،} وصريح قوله تعالى في الآية رقم [١٨] من سورة (ص): {إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} يؤيد التسبيح لا غيره. {وَالطَّيْرَ} أي: كانت تسبح معه، عليه الصلاة والسّلام. قيل: كان إذا وجد فترة في الذكر؛ أمر الجبال، والطير، فسبحت؛ حتى ينشط؛ ويشتاق للتسبيح. وفيه ما فيه من الفخامة، والدلالة على عظم شأنه، وكبرياء سلطانه؛ حيث جعل الله الجبال، والطيور كالعقلاء المنقادين لأمره في نفاذ مشيئته فيها. {وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ:} أي جعلناه له ليّنا، كالطين والعجين، والشمع، يصرفه بيده كيف يشاء، من غير نار، ولا ضرب بمطرقة.

هذا؛ وداود: هو ابن إيشا، وكان في عسكر طالوت، وهو من سبط الملوك، وهو سبط يهوذا بن يعقوب. أما سبط النبوة فهو سبط لاوي بن يعقوب. وقد بارز جالوت، وقتله، كما رأيت في الآية رقم [٢٥١] من سورة (البقرة). فلما قتل جالوت زوجه طالوت بنته، وأشركه معه في الحكم، وقد دام ملك طالوت أربعين سنة، فلما استقل داود بالحكم، وأعطاه الله النبوة، كما قال تعالى: {وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} وذلك بعد موت النبي شمويل، وبعد موت طالوت، ولم يجتمع الملك، والنبوة لغير داود، وابنه سليمان، على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام. وكانت مدة ملك داود بعد طالوت سبع سنين، وفي عهد داود وقعت حادثة أهل السبت، التي رأيت تفصيلها في الآية رقم [١٦٣] وما بعدها من سورة (الأعراف) وعاش داود مائة سنة، وبينه وبين موسى خمسمائة وتسع وستون سنة. وقيل: وتسع وسبعون، وعاش سليمان تسعا وخمسين سنة، وبينه وبين مولد نبينا، وحبيبنا عليه، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام نحو ألف وسبعمائة سنة. انتهى. جمل. نقلا من التحبير للسيوطي.

هذا؛ وقيل: إنه عاش ثلاثا وخمسين سنة، وملك؛ وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فبقي في ملكه أربعين سنة، وابتدأ بناء بيت المقدس لأربع سنين من ملكه.

تنبيه: روي: أن سبب ذلك: أن داود عليه السّلام لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا، وداود يظنه إنسانا، وداود متنكر خرج يسأل الناس عن نفسه، وسيرته في بني إسرائيل في خفاء، فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>