داود لذلك الشخص الذي تمثل له: ما قولك في هذا الملك داود؟ فقال له الملك: نعم العبد لولا خلة فيه! قال داود: وما هي؟ قال: يرتزق من بيت المال، ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله، فرجع، فدعا الله تعالى أن يعلمه صنعة، ويسهلها عليه، فعلمه صنعة الدروع، كما قال تعالى في الآية رقم [٨٠] من سورة (الأنبياء): {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ..}. إلخ فألان له الحديد، فصنع الدروع، فكان يصنع الدرع فيما بين يومه، وليلته يساوي ألف درهم؛ حتى ادّخر منها كثيرا، وتوسعت معيشة أهل بيته، وكان يتصدق على الفقراء والمساكين، وكان ينفق ثلث المال في مصالح قومه، وهو أول من اتخذ الدروع، وصنعها، وكانت قبل ذلك صفائح.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم، بل ذلك زيادة في فضلهم، وفضائلهم؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخليّ عن الامتنان، إلا للواحد المنان، وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إنّ خير ما أكل المرء من عمل يده، وإن نبيّ الله داود كان يأكل من عمل يده». انتهى. هذا؛ وخذه من الترغيب والترهيب، كما يلي: عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما أكل أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود-عليه الصلاة، والسّلام-كان يأكل من عمل يده». رواه البخاري وغيره.
الإعراب:{وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، التقدير: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. اللام: واقعة في جواب القسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {آتَيْنا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٣] من سورة (السجدة). {داوُدَ:} مفعول به أول.
{مِنّا:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {فَضْلاً} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا، على القاعدة:«نعت النكرة؛ إذا تقدم عليها؛ صار حالا». {فَضْلاً:} مفعول به ثان، والكلام:{وَلَقَدْ آتَيْنا..}. إلخ مستأنف لا محل له. (يا): أداة نداء تنوب مناب: أدعو.
(جبال): منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب ب: (يا). {أَوِّبِي:} فعل أمر مبني على حذف النون، وياء المخاطبة فاعله، والجملة الفعلية والجملة الندائية بدل من:{آتَيْنا} التقدير: قلنا: يا جبال، أوبي، أو بدل من:{فَضْلاً} التقدير: قلنا: يا جبال، أوبي، انتهى.
من الكشاف. وهذا يعني: أن الجملتين في محل نصب مقول القول المقدر، فعلى الأول هو فعل، وعلى الثاني المقدر مصدر، وأرى أن اعتبار الجملتين تفسيرا ل:{فَضْلاً} جيد، ولا بأس به. {مَعَهُ:} ظرف مكان متعلق بالفعل قبله، والهاء في محل جر بالإضافة.
{وَالطَّيْرَ:} يقرأ بالنصب، والرفع، فالنصب فيه أربعة أوجه: الأول: هو معطوف على موضع (جبال). والثاني: هو مفعول معه، والواو واو المعية. والثالث: هو معطوف على