للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً} أي: إلى الأنبياء، والمراد: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل، على نبينا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. {أُولِي أَجْنِحَةٍ} أي: ذوي أجنحة بمعنى: أصحاب.

و {أُولِي:} جمع لا واحد له من لفظه، وإنما واحده: «ذو» المضاف إذا كان مرفوعا، و «ذا» المضاف إذا كان منصوبا، و «ذي» المضاف إذا كان مجرورا، ومؤنثه «ذات» انظر الآية رقم [٣٨] الآتية.

{مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} أي: جعل الله الملائكة ذوي أجنحة متعددة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب، ينزلون بها، ويعرجون إلى السماء، أو يسرعون بها نحو ما وكّلهم الله عليه، ويتصرفون فيه حسب ما أمرهم به. والمعنى: بعضهم له جناحان، وبعضهم له ثلاثة أجنحة لعل الثالث يكون وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة، وبعضهم له أربعة، ولعله لم يرد خصوصية الأعداد، ونفي ما زاد عليها؛ لما روي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى جبريل عليه السّلام ليلة المعراج، وله ستمائة جناح. هذا؛ وينبغي أن تعلم: أن الأعداد: {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} معدولة عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، فكل جنس منفرد بعدد، وليس المراد الجمع بين هذه الأعداد، ومثل هذه الآية الآية رقم [٣] من سورة (النساء) فالواو فيهما ليست لمطلق الجمع، وإنما هي لسرد الجنس، وعطف مثله عليه. وقيل: هي بمعنى: «أو». ورده ابن هشام في المغني.

{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ} أي: إن تفاوتهم في الأجنحة مقتضى مشيئته، ومؤدى حكمته؛ لا أنه أمر تستدعيه ذواتهم. وقيل: الزيادة في الخلق هي: الوجه الحسن، والصوت الحسن، والشعر الحسن. عزاه في الكشاف للنبي صلّى الله عليه وسلّم. ثم قال الزمخشري: والآية مطلقة، تتناول كل زيادة في الخلق: من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوة في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجراءة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأت في مزاولة الأمور، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف.

{إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: مما يريد أن يخلقه من الزيادة، والنقصان. وتخصيص بعض الأشياء بالتحصيل دون بعض، إنما هو من جهة الإرادة. والمعنى: أن الله تعالى قادر على ما يريد، له الأمر والسلطان، لا يمتنع عليه فعل شيء أراده، ولا يتأبّى عليه خلق شيء أراده، فقد وصف تعالى نفسه في هذه الآية بصفتين جليلتين، تحمل كل منهما صفة القدرة، وكمال الإنعام:

الأولى: أنه تعالى فاطر السموات، والأرض؛ أي: خالقهما، ومبدعهما من غير مثال يحتذيه، ولا قانون ينتحيه. وفي ذلك دلالة على كمال قدرته، وشمول نعمته، فهو الذي رفع السموات بغير عمد، وجعلها مستوية من غير أود، وزينها بالكواكب، والنجوم، وهو الذي بسط الأرض، وأودعها الأرزاق، والأقوات، وشق فيها البحار، والأنهار، وفجر فيها العيون، والآبار، إلى غير ما هنالك من آثار قدرته العظيمة، وآثار صنعته البديعة، وعبر عن ذلك كله بقوله: {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>