للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} أي: أفمن زين له سوء عمله؛ بأن غلب وهمه، وهواه على عقله؛ حتى انتكس رأيه فرأى الباطل حقا، والقبيح حسنا كمن لم يزين له؛ بل وفق؛ حتى عرف الحق، واستحسن الأعمال الحسنة، واستقبح القبيحة منها على ما هي عليه. فحذف خبر المبتدأ لدلالة الكلام الآتي عليه.

{فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ:} يضل من شاء إضلاله، فلا ينفعه نزول الآيات، وكثرة المعجزات؛ إن لم يهده الله عز وجل، وذلك؛ لأن الآيات الباهرة، التي ظهرت على يد الرسول صلّى الله عليه وسلّم بلغت في الكثرة، وقوة الدلالة إلى حالة يستحيل فيها أن تصير مشتبهة على عاقل، فطلب آيات أخرى بعد ذلك لا يفيد شيئا. ويهدي من يشاء هدايته وتوفيقه إلى الإيمان والطاعة.

هذا؛ ومصدر الفعل {يُضِلُّ:} الإضلال، وهو: خلق فعل الضلال في العبد. والهداية: خلق فعل الاهتداء في العبد. هذا هو الحقيقة عند أهل السنة، وقد يعترض بعض الناس على خلق فعل الضلال في العبد، فيقول: إذا لا مؤاخذة على العبد، فكيف يعذبه الله؟ والجواب أن معنى خلق الضلال... إلخ: تقدير ضلاله، وهذا التقدير مبني على علم الله الأزلي بأن هذا العبد لو ترك وشأنه لم يختر سوى الكفر، والضلال، ولذا قدره الله عليه. هذا بالإضافة إلى اختياره الضلال، بعد أن بين الله لكل واحد الخير، والشر، والحسن، والقبيح، كما قال الله عز وجل:

{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} أي: بيّنا له طريق الخير، وطريق الشر.

هذا؛ وقال علماء التوحيد: ليس معنى إضلال الله لفريق من الناس، وهدايته لفريق آخر: أنه تعالى يجبر كلاّ منهما على الضلالة، والهدى، ولا أنه يكرههم على سلوك سبيلي: الخير، والشر، كلاّ فإن هذا الإكراه مناف للعدل الإلهي؛ بل مناف لحكمة التشريع السماوي، ولا يتفق مع نصوص الشريعة المتواترة القاطعة، الدالة على أن العبد له إرادة، واختيار، هما مناط التكليف، والمؤاخذة، وكذلك فهم الصحابة والسلف الصالح. سأل رجل عليا، رضي الله عنه، فقال: أكان مسيرك إلى الشام-يعني: لقتال أهلها-بقضاء الله، وقدره؟ فقال له: ويحك، لعلك ظننت قضاء لازما، وقدرا حاتما، ولو كان كذلك؛ لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد، والوعيد. إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، فكلف يسيرا، ولم يكلف عسيرا، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا، ولا خلق السموات، والأرض وما بينهما باطلا. {ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ}. انتهى. وعلى ضوء هذا يفهم معنى الهداية، والإضلال. انتهى. صابوني.

{فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ:} والمعنى: فلا تهلك نفسك عليهم للتحسر على كفرهم، وضلالهم، وإصرارهم على تكذيبك، ومثل هذه الآية قوله تعالى في الآية رقم [١٧٦] من سورة (آل عمران): {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ،} وفي الآية رقم [٦] من سورة (الكهف):

{فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً،} وفي الآية رقم [٣] من سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>