للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الشعراء): {لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}. {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ:} هذا الفعل أبلغ من قوله: {يَعْمَلُونَ} من حيث إن الصنع عمل الإنسان، بعد تدرب فيه، وتروّ، وتحري إجادة، ولذلك ذم الله به خواص اليهود في الآية رقم [٦٣] من سورة (المائدة)، بينما ذم عوامهم بقوله تعالى: {لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} رقم [٦٢] منها.

تنبيه: الفعل {زُيِّنَ} مبني للمجهول، وهو يحتمل أن يكون المزين الله عز وجل، ويحتمل أن يكون المزين هو الشيطان، وقد صرحت الآية رقم [٤] من سورة (النمل) أن المزين هو الله تعالى، بينما صرحت الآية رقم [٢٤] منها بأن المزين هو الشيطان، وفي ذلك قال الزمخشري -رحمه الله تعالى-: فإن قلت: كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته؛ أي: في الآية رقم [٤] من سورة (النمل) أي: في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ..}. إلخ، وأسنده إلى الشيطان في قوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ..}. إلخ رقم [٢٤] منها؟ قلت: بين الإسنادين فرق، وذلك أن إسناده إلى الشيطان حقيقة، وإسناده إلى الله عزّ وجلّ مجاز، وله طريقان في علم البيان: أحدهما: أنه من المجاز الذي يسمى استعارة. والثاني: أنه من المجاز الحكمي.

فالطريق الأول: أنه لما متعهم بطول العمر، وسعة الرزق، وجعلوا إنعام الله عليهم، وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم، وبطرهم، وإيثارهم الراحة، والترف، ونفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة، والمشاق المتعبة، فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم، وإليه أشارت الملائكة -صلوات الله وسلامه عليهم-في قوله تعالى، حكاية عن قولهم: {وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً} الآية رقم [١٨] من سورة (الفرقان).

الطريق الثاني: أن إمهاله الشيطان، وتخليته؛ حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين، فأسند إليه؛ لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات. وقيل: إن الأعمال التي وجب عليهم أن يعملوها زينها الله لهم، فعموا عنها، وضلوا. ويعزى إلى الحسن. انتهى. كشاف. هذا؛ وقد بينات في آية (النمل) رقم [٢٤] أن المزين في الحقيقة هو الله تعالى، وهذا مذهب أهل السنة، وإنما جعل الشيطان آلة بإلقاء الوسوسة في قلوب الكافرين، وليس له قدرة أن يضل، أو يهدي أحدا، وإنما له الوسوسة فقط، فمن أراد الله شقاوته سلطه عليه؛ حتى يقبل وسوسته. وهذا مبني على أن العبد لا يخلق أفعال نفسه، وإنما يخلقها الله تعالى، كما قال: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} وما قاله الزمخشري مبني على مذهبه في الاعتزال من أن العبد يخلق أفعال نفسه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أَفَمَنْ:} الهمزة: حرف استفهام إنكاري. الفاء: حرف عطف، أو حرف استئناف.

(من): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {زُيِّنَ:} ماض مبني للمجهول.

{لَهُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {سُوءُ:} نائب فاعله، وهو مضاف، و {عَمَلِهِ} مضاف إليه، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {فَرَآهُ:} الفاء: حرف عطف. (رآه):

<<  <  ج: ص:  >  >>