للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ:} هذا يتناول الذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن. روى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال: إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى: إن العبد المسلم إذا قال: «سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله» أخذهن ملك، فجعلهن تحت جناحه، ثم صعد بهن إلى السماء، فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الله، عز وجل، ثم قرأ عبد الله -رضي الله عنه-: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} وأنشدوا: [الكامل] لا ترض من رجل حلاوة قوله... حتّى يزيّن ما يقول فعال

فإذا وزنت فعاله بمقاله... فتوازنا فإخاء ذاك جمال

{وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ:} قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: المعنى: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب. وفي الحديث الشريف: «لا يقبل الله قولا إلاّ بعمل، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية، ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السنّة». وقال ابن المقفع: قول بلا عمل كثريد بلا دسم، وسحاب بلا مطر، وقوس بلا وتر. وفيه قيل: [الخفيف] لا يكون المقال إلاّ بفعل... كلّ قول بلا فعال هباء

إنّ قولا بلا فعال جميل... ونكاحا بلا وليّ سواء

هذا؛ وصعود الكلم الطيب والعمل الصالح إلى الله تعالى كناية عن قبولهما عنده، أو المراد: صعود الكتبة بصحيفتهما. قال القرطبي: والظاهر: أن العمل الصالح شرط في قبول القول الطيب، وقد جاء في الآثار: أن العبد إذا قال: لا إله إلا الله بنية صادقة؛ نظرت الملائكة إلى عمله، فإن كان العمل موافقا لقوله؛ صعدا جميعا، وإن كان عمله مخالفا؛ وقف قوله؛ حتى يتوب من عمله. فعلى هذا العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله، وهذا قول ابن عباس، وشهر بن حوشب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، وأبي العالية، والضحاك-رضي الله عنهم أجمعين-. وعليه فالعمل الصالح هو السبب في رفع الكلم الطيب. هذا؛ وعلى أن الكلم الطيب هو التوحيد، فهو الرافع للعمل الصالح؛ لأنه لا يقبل العمل الصالح إلا مع الإيمان والتوحيد، أي والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، فالضمير المنصوب يعود على: {(الْعَمَلُ الصّالِحُ)}. وروي هذا القول عن شهر بن حوشب. وقيل: الفاعل يعود إلى (الله) أي: إن العمل الصالح يرفعه الله على الكلم الطيب؛ لأن العمل تحقيق الكلم، والعامل أكثر تعبا من القائل. وهذا هو حقيقة الكلام؛ لأن الله هو الرافع، الخافض، والثاني والأول مجاز، ولكنه سائغ جائز.

قال النحاس: القول الأول أولاها، وأصحها؛ لعلو من قال به، وأنه في العربية أولى؛ لأن القراء على رفع العمل، ولو كان المعنى: والعمل الصالح يرفعه، أو العمل الصالح

<<  <  ج: ص:  >  >>