للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرفعه الكلم الطيب؛ لكان الاختيار نصب العمل، ولا نعلم أحدا قرأه منصوبا، إلا شيئا روي عن عيسى بن عمر أنه قال: قرأه أناس: «(والعمل الصالح يرفعه الله)». وقيل: والعمل الصالح يرفع صاحبه، وهو الذي أراد العزة، وعلم أنها تطلب من الله تعالى. ذكره القشيري. انتهى.

قرطبي بتصرف.

أقول: مضمون القول الأول والثاني هو ما ذكرته من الاحتراس كثيرا؛ لأن الإيمان، والعمل الصالح قرينان، لا يقبل الله أحدهما بدون صاحبه. والله الموفق والمعين.

{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ..}. إلخ: قال ابن عباس، وشهر بن حوشب الأشعري، ومجاهد، وقتادة-رضي الله عنهم أجمعين-: هم المراءون بأعمالهم؛ أي: يمكرون بالناس، يوهمون:

أنهم في طاعة الله تعالى، وهم بغضاء إلى الله عز وجل، يراءون بأعمالهم، {وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً}. وقال أبو العالية، وابن أسلم: هم المشركون الذين مكروا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم لما اجتمعوا في دار الندوة. والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال تعالى: {لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ} أي: يفسد، ويبطل، ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر، والنهى، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشرّ، فالمرائي لا يروج أمره، ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون، فلا يروج ذلك عليهم؛ بل ينكشف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية. انتهى. مختصر ابن كثير.

هذا؛ وقصر الزمخشري القول على أن المراد بالذين يمكرون السيئات هم مشركون قريش؛ ولذا قال: ومكر أولئك الذين مكروا تلك المكرات الثلاث هو خاصة يبور، دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة، وقتلهم، وأثبتهم في قليب بدر، فجمع عليهم مكراتهم جميعا، وحقق فيهم قوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ،} وقوله: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ}. انتهى. وانظر المكر في الآية رقم [٣٣] من سورة (سبأ).

هذا؛ {وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ:} يهلك، ويضيع، ويفسد، ويبطل. وقوله تعالى: {وَكانُوا قَوْماً بُوراً} أي: هلكى، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: مأخوذ من البوار، وهو الهلاك. وقال بعضهم: الواحد: بائر، والجمع: بور، كما يقال: عائذ، وعوذ. وقيل: بورا: عميا عن الحق.

وفي المصباح: بار الشيء، يبور، بورا بالضم: هلك، وبار الشيء، بورا: كسد على الاستعارة؛ لأنه إذا ترك؛ صار غير منتفع به، فأشبه الهالك من هذا الوجه. ورجل بائر: فاسد، لا خير فيه.

وفي الأساس: «وفلان له نوره، وعليك بوره» أي: هلاكه. ونزلت بوار على الكفار، أي: هلاك.

ومن المجازات: بارت البياعات: كسدت. وسوق بائرة: لا رواج فيها. وبارت الأيّم: إذا لم يرغب فيها أحد. وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يتعوذ من بوار الأيّم، وبارت الأرض: إذا لم تزرع، وأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>