للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{عَنِ الْخَمْرِ:} {الْخَمْرِ:} مأخوذ من خمر: إذا ستر، ومنه: خمار المرأة. وكلّ شيء غطّى شيئا فقد خمره. ومنه قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «خمّروا آنيتكم». فالخمر تخمر العقل، أي: تغطيه، وتستره، ومن ذلك الشّجر الكثير الملتف يقال له: الخمر بفتح الميم؛ لأنه يغطّي ما تحته، ويستره، يقال منه: أخمرت الأرض: كثر خمرها، قال الشاعر: [الوافر]

ألا يا زيد والضّحّاك سيرا... فقد جاوزتما خمر الطّريق

أي: سيرا مدلّين فقد جاوزتما الوهدة الّتي يستتر بها الذّئب، وغيره. وهو على حذف مضاف؛ إذا التقدير: يسألونك عن شرب الخمر. {وَالْمَيْسِرِ} أي: وعن تعاطي الميسر: وهو قمار العرب بالأزلام، واشتقاقه من اليسر؛ لأنّه أخذ المال بسهولة من غير تعب، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان الرّجل في الجاهلية يقامر الرّجل على أهله، وماله، فأيّهما قمر صاحبه؛ ذهب بماله، وأهله. والأزلام هي: سهام الميسر، وهي أحد عشر سهما، منها سبعة لها حظوظ، وفيها فروض على عدد الحظوظ، وهي: الفذّ، وفيه علامة واحدة، وله نصيب، وعليه نصيب إن خاب. الثاني: التوأم، وفيه علامتان، وله نصيبان وعليه نصيبان. الثالث:

الرّقيب، وفيه ثلاث علامات على ما ذكرنا. الرابع: الحلس، وله أربع. الخامس: النّافر، أو النافس أيضا، وله خمس. السّادس: المسبل، وله ست. السّابع: المعلّى، وله سبع، فذلك ثمانية، وعشرون فرضا، وأنصباء الجزور كذلك في قول الأصمعي، وبقي من السّهام أربعة، وهي الأغفال، لا فروض لها، ولا أنصباء، وهي: المصدّر، والمضعّف، والمنيح، والسّفيح.

وقيل: الباقية الأغفال الثلاثة: السّفيح، والمنيح، والوغد. قال بعضهم: [مجزوء الرمل]

لي في الدّنيا سهام... ليس فيهنّ ربيح

إنمّا سهمي وغد... ومنيح وسفيح

تزاد هذه الثلاثة لتكثر السّهام على الّذي يجيلها، فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلا. وكانت عادة العرب أن تضرب الجزور بهذه السّهام في الشدّة، وضيق الوقت، وكلب البرد على الفقراء، يشترى الجزور، ويضمن الأيسار ثمنها، ويرضى صاحبها من حقّه، وكانوا يفتخرون بذلك، ويذمّون من لم يفعل ذلك منهم، ويسمونه البرم؛ أي: البخيل. قال متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك، ومدحه: [الطويل]

ولا برما تهدي النّساء لعرسه... إذا القشع من برد الشّتاء تقعقعا

وكانوا لا يأكلون منه شيئا، ويدعونه للفقراء، ويكتفون بمدح الناس لهم، والثّناء عليهم.

تنبيه: نزل في الخمر أربع آيات، نزل في مكّة قوله تعالى في سورة (النّحل): {وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فهذه الآية في معرض الامتنان على الناس جميعا، فكان المسلمون يشربونها، وهم في مكّة، وهي حلال لهم، وبعد

<<  <  ج: ص:  >  >>