للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظنابيب: جمع ظنبوب، وهو مسمار يكون في جبة السنان. وقرع ظنابيب الأمر:

ذلّله. انتهى. قاموس. {رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً} أي: يقولون: ربنا أخرجنا من جهنم، وردّنا إلى الدنيا. {نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ:} يسألون الله الرجعة إلى الدنيا؛ ليعملوا غير عملهم الأول. وقد علم الله-تبارك وتعالى-أنه لو ردهم إلى الدنيا؛ لعادوا أخبث مما كانوا، تحقيقا، وتصديقا لقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} رقم [٢٨] من سورة (الأنعام). وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا حينما يشاهدون العذاب كثير في آيات القرآن، ولذا رد عليهم بقوله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} المعنى، لقد: عشتم في الدنيا أعمارا، لو كنتم ممن ينتفع بالحق؛ لانتفعتم به في مدة عمركم؟.

وقد اختلف المفسرون في مقدار العمر المراد هنا: قيل: هو عشرون سنة. وقيل: أربعون، وهو سن كمال القوى، والعقل، ومن لم يكمل في الأربعين؛ لم يكمل بعدها. فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من بلغ من العمر أربعين سنة، ولم يغلب خيره على شرّه فليتجهّز إلى النّار».

ورحم الله من يقول: [الطويل] إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن... له دون ما يأتي حياء ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الّذي ارتأى... وإن مدّ أسباب الحياة له الدّهر

وقال زهير بن أبي سلمى المزني: [الطويل] وإنّ سفاه الشيخ لا حلم بعده... وإنّ الفتى بعد السفاهة يحلم

وقيل: المراد: ستون سنة. وهو مروي عن مجاهد، عن ابن عباس-رضي الله عنهما-.

وهي الرواية الصحيحة عنه وفي الأصح في نفس الأمر؛ لما ثبت في ذلك من الحديث عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «أعذر الله تعالى إلى عبد أحياه حتّى بلغ ستين، أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه، لقد أعذر الله إليه». أخرجه الإمام أحمد. ومعنى أعذر إليه: أي لم يبق له عذر، ومنه قولهم: أعذر من أنذر. والمعنى، -والله أعلم-: أن من عمره الله ستين سنة لم يبق له عذر؛ لأن الستين قريب من معترك المنايا، وهو سن الإنابة والخشوع، وترقب المنية، ولقاء الله تعالى. ففيه إعذار بعد إعذار.

والستون هي منتهى الكمال، ثم يأخذ ابن آدم في النقص، والهرم، كما قال الشاعر: [الوافر] إذا بلغ الفتى ستين عاما... فقد ذهب المسرّة والفتاء

ولما كان هذا هو العمر الذي يعذر الله تعالى إلى عباده به، ويزيح به عنهم العلل، والتعلل، كان هو الغالب على أعمار هذه الأمة، كما ورد بذلك الحديث عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أعمال أمّتي ما بين السّتّين إلى السّبعين، وأقلّهم من يجوز ذلك».

أخرجه الترمذي، وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>