للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مباح بشروط، ذكرها الشّافعي، فقال: إذا خلا الشطرنج عن الرّهان، واللّسان عن الهذيان، والصلاة عن النسيان؛ لم يكن حراما، وهو خارج عن الميسر؛ لأنّ الميسر ما يوجب دفع مال، وأخذ مال، وهذا ليس كذلك. انتهى خازن. أقول: ولعلّ السبب في عدم تحريمه عند الشّافعي -رحمه الله تعالى-: أنّه قائم على النظر، والفكر. ومثله ما يسمّى اليوم ب‍ «الضّاما».

{قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ} أي: وزر عظيم، والسّبب في ذلك ما قدّمته من ذكر المفاسد؛ التي تنتج من تعاطيهما، فالخمرة عدو للعقل، فإذا غلبت على عقل الإنسان؛ ارتكب كلّ قبيح، ففي ذلك آثام كبيرة، منها: إقدامه على شرب المحرّم، ومنها: فعله ما لا يحلّ فعله. وأما الإثم الكبير في الميسر؛ فهو أكل المال الحرام بالباطل، وما يجري بين المتقامرين من المشاتمة، والمخاصمة، والمعاداة، وكلّ ذلك فيه آثار كثيرة، وخطيرة. هذا؛ وقرأ حمزة والكسائي: («كثير») وحجتهما: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لعن الخمرة، ولعن معها عشرة، كما رأيت فيما تقدّم، وأيضا جمع المنافع يحسن معه جمع الآثام. وقرأ الباقون: {كَبِيرٌ} وحجّتهم: أنّ الذنب في القمار، وشرب الخمر من الكبائر، فوصفه بالكبير أليق. هذا؛ وقد فسر الإثم في آية (الأعراف) رقم [٣٣] بالخمرة، واستدلوا بقول الشاعر: [الوافر]

شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي... كذاك الإثم يذهب بالعقول

{وَمَنافِعُ لِلنّاسِ:} ربح الخمر بالتجارة، فقد كانوا يجلبونها من الشّام برخص، فيبيعونها في الحجاز بربح كبير، فهذا أصحّ ما قيل في منفعتها، وقيل: من منافعها: أنّها تهضم الطعام، وتقوي الضّعيف، وتعين على الباه، وتسخّي البخيل، وتشجع الجبان، وتصفّي اللون إلى غير ذلك من اللّذة بها، وقد قال حسان-رضي الله عنه-قبل إسلامه: [الوافر]

ونشربها فتتركنا ملوكا... وأسدا ما ينهنهنا اللّقاء

وأما منفعة القمار، فهي مصير الشّيء إلى الإنسان في القمار بغير كدّ، ولا تعب. {وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما:} أعلم الله-عز وجل-: أن الإثم، والضّرر أكبر من النّفع، وأعود بالضّرر في الدنيا والآخرة، فالإثم الكبير بعد التّحريم، والمنافع قبل التحريم؛ فقد سلبهما الله جميع المنافع بعد التّحريم تحريما قاطعا، ومن ظنّ: أن فيهما منفعة بعد التحريم فهو ناقص العقل، والإيمان، دخل الرسول صلّى الله عليه وسلّم على زوجه أمّ سلمة-رضي الله عنها-وهي تسقي بنتا لها مريضة شيئا من النّبيذ، فقال لها: ما هذا؟ قالت: إنّها مريضة، وإنّي أداوي بها علّتها. فقال لها صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لم يجعل شفاء أمّتي فيما حرّم عليها، إنّها داء، وليست بدواء». ورحم الله من يقوله: [السريع]

من جعل الخرم شفاء له... فلا شفاه الله من علّته

وإنّ الخمر المحرّمة هي ما خامرت العقل، وغطّته، فمناط الحكم في التّحريم الإسكار، لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكر خمر، وكلّ خمر حرام». فكلّ ما أسكر تحت أيّ اسم، وفي أيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>