{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} أي: ولا تزوجوا المشركين بناتكم، فقد أجمعت الأمّة على أنّ المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه، لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام من وجوه: الأول: لأن الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه، والزواج فيه علوّ، وتسلّط للرّجل على المرأة، وهذا واضح لا يحتاج إلى بيان. الثاني: جاز أن يتزوج المسلم الكتابية، ولا يجوز أن يتزوج الكتابيّ المسلمة؛ لأنّ المسلم يقدّس ما تقدّسه الكتابية في دينها، من تعظيم مريم، وتقديس عيسى، على نبينا، وعليهما ألف صلاة وألف سلام، فلا يؤذيها بسب ما تعظّمه في دينها، بخلاف الكافر إذا تزوج مسلمة؛ فلا يعظّم ما تعظمه في دينها، فقد يؤذيها بسبّ، وشتم ما تقدّسه في دينها، وهذا لا يحتاج إلى إيضاح.
هذا؛ وفي الآية الكريمة دليل بالنّصّ على أن لا نكاح إلى بوليّ، قال محمد بن علي بن الحسين الشهير بالباقر: النّكاح بوليّ في كتاب الله، ثمّ قرأ:{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ..}. إلخ قال ابن المنذر: ثبت: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نكاح إلاّ بوليّ» وقد اختلف أهل العلم في النكاح بغير ولي، فقال كثير من أهل العلم:«لا نكاح إلا بولي». روي هذا الحديث عن عمر بن الخطاب، وعليّ، وابن مسعود، وابن عبّاس، وأبي هريرة-رضي الله عنه-، وبه قال من التابعين سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وابن المبارك، والشّافعي، وعبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيدة، ومالك، وأبو ثور، والطّبريّ رضي الله عنهم أجمعين.
ويعضد ما تقدّم قوله تعالى:{فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ} رقم [٢٣٢] الآتية، وقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [١٩]: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ} فلولا أنّ الولي له حقّ في الإنكاح؛ ما نهي عن العضل، وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [٢٥]: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} وقال تعالى في سورة (النور) رقم [٣٢]: {وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ} وقال تعالى عن قول شعيب-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في سورة (القصص) رقم [٢٧]: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [٣٤]: {الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ} فقد تعاضد الكتاب، والسنة على أنه لا نكاح إلا بوليّ، ولا تنس الخطاب للأولياء في هذه الآية بقوله تعالى:{وَلا تَنْكِحُوا}.
وروى الدّارقطنيّ عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزوّج المرأة المرأة، ولا تزوّج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوّج نفسها».
وروى أبو داود من حديث سفيان عن الزّهري، عن عروة، عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها، فنكاحها باطل-ثلاث مرّات- فإن دخل بها؛ فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا؛ فالسّلطان وليّ من لا وليّ له». وأما قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها» فإن المعنى في أنه لا يعقد عليها إلا برضاها،