للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أنها أحقّ بنفسها في أن تعقد عقد النكاح على نفسها دون وليّها، ولو كانت ثيبا، أو بنت خمسين سنة، وعن عائشة-رضي الله عنها-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا نكاح إلاّ بولي، وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك؛ فهو باطل، فإن تشاجروا؛ فالسلطان وليّ من لا وليّ له». في هذا الحديث زيادة «شاهدي عدل» وبه أخذ الشّافعيّ رضي الله عنه.

هذا؛ وقد كان الزّهري، والشعبيّ يقولان: إذا زوجت المرأة نفسها كفؤا بشاهدين، فذلك نكاح جائز، وبقولهما أخذ أبو حنيفة، رضي الله عنه. وقال أيضا: إن زوجت نفسها غير كفؤ؛ فالنّكاح جائز، وللأولياء أن يفرّقوا بينهما. قال ابن المنذر-رحمه الله تعالى-: وأما ما قاله النعمان؛ فمخالف للسنة، خارج عن قول أكثر أهل العلم. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: لا يجوز النكاح إلا بوليّ. فإن سلّم الولي جاز، وإن أبى والزوج كفؤ؛ أجازه القاضي. وهو قول محمد بن الحسن، ولا خلاف بين أبي حنيفة وأصحابه: أنه إذا أذن لها وليها، فعقدت النّكاح بنفسها جاز، وحمل القائلون بمذهب الزّهري قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا نكاح إلاّ بوليّ» على الكمال، لا على الوجوب، واستدلّوا على هذا بقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ} وقوله تعالى: {فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية رقم [٢٣٢] الآتية، وأيضا رقم [٢٣٩]، وبما روى الدّارقطني عن سماك بن حرب، قال: جاء رجل إلى عليّ-رضي الله عنه- فقال: امرأة أنا وليّها، تزوّجت بغير إذني، فقال عليّ-كرم الله وجهه-: ينظر فيما صنعت، فإن كانت تزوّجت كفؤا؛ أجزنا ذلك لها، وإن كانت تزوجت غير كفؤ لها؛ جعلنا ذلك إليك. وفي الموطأ: أنّ عائشة-رضي الله عنها-زوّجت بنت أخيها عبد الرحمن؛ وهو غائب، ولكن ثبت:

أنّ عائشة قرّرت المهر، وأحوال النكاح، وتولّى العقد أحد عصبتها، ونسب العقد إلى عائشة لمّا كان تقريره إليها. واختلف في الأولياء، فالأرجح: أنّهم العصبات على ترتيب الإرث.

{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} أي: مملوك. {خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} أي: بحسنه، وماله، وحسبه، ومنصبه. {أُولئِكَ} أي: المشركون من رجال، ونساء. {يَدْعُونَ إِلَى النّارِ} أي: إلى الأعمال الموجبة إلى النار، فإن صحبتهم، ومخالطتهم، ومعاشرتهم توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النّسل. {وَاللهُ يَدْعُوا} أي: المؤمنين إلى العمل المؤدي على غفران الذنوب، ثمّ إلى دخول الجنة. {بِإِذْنِهِ:} بتوفيقه للطاعات، وإرادته للخيرات. وبين الجملتين مقابلة، وهي من المحسّنات البديعيّة. {وَيُبَيِّنُ آياتِهِ:} أحكام شريعته. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ:} يتعظون، فيعملون بأحكامه، ومواعظه. انتهى كلّه من القرطبي بتصرف كبير.

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف استئناف. ({لا}) ناهية جازمة. {تَنْكِحُوا:} فعل مضارع مجزوم ب‍ ({لا}) وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف في الجمع للتفريق. {الْمُشْرِكاتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>