{بِفاكِهَةٍ} أي: جميع أنواع الفواكه؛ لأن التنكير يعم جميع أجناس الفواكه، فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ دون التغذي، والقوت بالعكس، وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل؛ كانت أرزاقهم فواكه خالصة. انتهى. بيضاوي. وهذا فيه قصور، كيف وقد ذكر الله أن لهم ما يشتهون من لحوم الطير، وما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين. وقيل: المعنى معلوم الوقت، كقوله تعالى:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا} بيان لحالهم، وإن لم يكن هناك بكرة، ولا عشية، فيكون المراد منه معلوم الوقت، وهو مقدار غدوة، وعشية. هذا؛ والأحسن القول:
إن الفواكه مساوية للرزق، فتشمل الخبز، واللحم؛ لأنهما يؤكلان في الجنة تلذذا.
{وَهُمْ مُكْرَمُونَ:} في نيل رزقهم، يصل إليهم من غير تعب، وسؤال، كما في رزق الدنيا.
حدائق، وبساتين يتنعمون فيها، ليس فيها إلا النعيم المقيم. {عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ:} لا ينظر بعضهم في قفا بعض تواصلا، وتحاببا، والتقابل أتم للسرور، وآنس. وقيل: الأسرّة تدور كيف شاؤوا، فلا يرى أحد قفا أحد. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: على سرر مكللة بالدر، والياقوت، والزبرجد.
{يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ:} قال الزجاج: أي: من خمر تجري، كما تجري العيون على وجه الأرض، ومعين: ماء جار ظاهر للعيون، يقال: معين ومعن، كما يقال: رغيف، ورغف، فهو فعيل من: معن الماء: إذا جرى، أو من الماعون، وهو المنفعة؛ لأنه نفاع، أو هو مفعول من: عانه؛ إذا أدركه بعينه؛ لأنه لظهوره مدرك بالعيون. وقال أبو حيان-رحمه الله تعالى-:
{مَعِينٍ} اسم فاعل من: معن بضم العين، كشريف من: شرف، أي: من شراب معين، أو نهر معين، ظاهر للعيون، أو خارج من العيون، وهو صفة للماء، من: عان: إذا نبع، وصف الله به خمر الجنة؛ لأنها تجري كالماء.
هذا؛ ولم يذكر الله تعالى هنا الطائفين عليهم، وذكره بسورة (الواقعة) بقوله: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}. هذا؛ والكأس عند أهل اللغة: اسم شامل لكل إناء مع شرابه، فإن كان فارغا فليس بكأس. قال الضحاك، والسدي: كل كأس في القرآن فهي الخمر، والعرب تقول للإناء إذا كان فيه خمر: كأس، فإذا لم يكن فيه خمر، قالوا: إناء، وقدح، كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام: مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام؛ لم يقل له مائدة.
قال أبو الحسن بن كيسان: ومنه ظعينة للهودج إذا كان فيه المرأة. وأضيف أنه لا يقال: ذنوب وسجل إلا وفيه ماء، وإلا؛ فهو دلو. ولا يقال: جراب إلا؛ وهو مدبوغ، وإلا؛ فهو إهاب، ولا يقال: قلم إلا وهو مبرى، وإلا؛ فهو أنبوب. هذا؛ وقد تسمى الخمر كأسا، تسمية للشيء باسم محله. {بَيْضاءَ:} قال الحسن: خمر الجنة أشد بياضا من اللبن. {لَذَّةٍ لِلشّارِبِينَ} أي: