وكانوا يفرون من المطعون فرارا عظيما. وقيل: مريض. وقيل: متساقم. وهو من معاريض الكلام. وقيل: إنه خرج معهم إلى عيدهم، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه، وقال: إني سقيم، أشتكي رجلي. انتهى. خازن.
هذا؛ ونقل القرطبي عن الضحاك قوله: معنى (سقيم): سأسقم سقم الموت؛ لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب، ثم يموت، وهذا تورية وتعريض. وقال الزمخشري: والذي قاله إبراهيم-عليه السّلام-معراض من الكلام، ولقد نوى به: أن من في عنقه الموت سقيم، ومنه المثل: كفى بالسلامة داء، وقول لبيد-رضي الله عنه-: [الكامل]
فدعوت ربّي بالسّلامة جاهدا... ليصحّني فإذا السّلامة داء
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «لم يكذب إبراهيم النبيّ قطّ إلاّ ثلاث كذبات: ثنتين منهنّ في ذات الله قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ،} وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ،} وواحدة في شأن سارّة». رواه مسلم، وغيره. هذا؛ والواحدة في شأن سارّة هي قوله للجبار في مصر حين سأله عنها، فقال له: هذه أختي. هذا؛ وقد سماها الرسول صلّى الله عليه وسلّم كذبات، ومعناه: أنه لم يتكلم بكلام صورته صورة الكذب، وإن كان حقا في الباطن إلا هذه الكلمات، ولما كان مفهوم ظاهرا خلاف باطنها، أشفق إبراهيم-على حبيبنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-منها بمؤاخذته بها، لذا يعتذر عليه الصلاة والسّلام عن الشفاعة في الموقف العظيم، يقول:«وإني كذبت ثلاث كذبات». انظر حديث الشفاعة الطويل في كتاب:«الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري، وقد خرجه البخاري، ومسلم.
قال أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث نكتة عظمى تقصم الظهر، وهي:
أنه عليه الصلاة والسّلام قال: لم يكذب إبراهيم إلا في ثلاث كذبات: اثنتين ما حل بهما عن دين الله، وهما قوله:{إِنِّي سَقِيمٌ،} وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} ولم يعد قوله: «هذه أختي» في ذات الله تعالى، وإن كان دفع بها مكروها، ولكنه لما كان لإبراهيم عليه السلام فيها حظ من صيانة فراشه، وحماية أهله؛ لم يجعلها في ذات الله، وذلك؛ لأنه لا يجعل في جنب الله، وذاته إلا العمل الخالص من شوائب الدنيا، والمعاريض التي ترجع إلى النفس إذا خلصت للدين كانت لله سبحانه، كما قال تعالى:{أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ}. وهذا لو صدر منا لكان لله، ولكن منزلة إبراهيم اقتضت هذا، والله أعلم. انتهى. قرطبي في سورة (الأنبياء). وقال هنا: فإبراهيم صادق، لكن لما كان الأنبياء لقرب محلهم، واصطفائهم؛ عد هذا ذنبا، ولهذا قال:{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}. الآية رقم [٨٢] من سورة (الشعراء).
هذا؛ وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب». أي: إن في التعريض ما يمنع المسلم عن الوقوع في الكذب المحرم. فليس إذا في كلام إبراهيم ما يدل على تعمد