أبي الأملاك: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب. ولذلك وقعت التسمية بهبة الله، وبموهوب، ووهب، وموهب. وقال الشاعر الحكيم:[الكامل]
نعم الإله على العباد كثيرة... وأجلّهنّ نجابة الأولاد
هذا؛ فإن قيل: درجات الأنبياء أفضل من درجات الصالحين، فما السبب في أن الأنبياء يطلبون جعلهم من الصالحين، فقد تمنى إبراهيم ذلك بقوله:{رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} رقم [٨٣] من سورة (الشعراء)، وتمنى ذلك سليمان بقوله:{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ} رقم [١٩] من سورة (النمل)، وتمنى ذلك يوسف بقوله:{تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ} رقم [١٠١] من السورة المسماة باسمه؟ والجواب: أن الصالح الكامل هو الذي لا يعصي الله، ولا يفعل معصية، ولا يهم بها، وهذه درجة عالية، فإذا كلمة الصلاح ليست بالهيّن.
{فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} أي: فاستجبنا دعاءه، وبشرناه بغلام يكون حليما في كبره. قال أبو السعود: جمع الله له فيه بشارات ثلاث: بشارة: أنه غلام، وأنه يبلغ أوان الحلم، وأنه يكون حليما؛ لأن الصغير لا يوصف بذلك، وهذا الغلام هو إسماعيل، على نبينا، وحبيبنا وعليهم ألف صلاة، وألف سلام، فإنه أول ولد بشر به إبراهيم، عليه السّلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في كتابهم أن إسماعيل عليه السّلام ولد ولإبراهيم ست وثمانون سنة، وولد إسحاق، وعمر إبراهيم تسع وتسعون سنة، وعندهم: أن الله تبارك وتعالى أمره أن يذبح ابنه الوحيد، وفي نسخة أخرى: بكره، فأقحموا هاهنا كذبا وافتراء إسحاق، ولا يجوز هذا؛ لأنه مخالف لنص كتابهم، وإنما أقحموا إسحاق؛ لأنه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب.
قال عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى-: ودليلي على أن الذبيح هو إسماعيل من التوراة نفسها؛ إذ إن الذبيح وصف بأنه ابن إبراهيم الوحيد، الذي ليس له سواه؛ إذ سخاوة نفس إبراهيم بولده الوحيد يذبحه امتثالا لأمر ربه له في المنام أدل على امتثال الأمر ونهاية الطاعة، وهذا هو الإسلام بعينه، وإذا رجعنا إلى إسحاق لم نجده وحيدا لإبراهيم في يوم من الأيام؛ لأن إسحاق ولد وعمر إسماعيل نحو (١٤) سنة، كما هو صريح التوراة، وبقي إسماعيل إلى أن مات إبراهيم، وحضر إسماعيل وفاته، ودفنه، وأيضا فإن ذبح إسحاق يناقض الوعد الذي وعد به إبراهيم: أن إسحاق سيكون له نسل، وكذلك فإن مسألة الذبح وقعت في مكة، وإسماعيل هو الذي ذهب به أبوه إلى مكة رضيعا، لا إسحاق، والله أعلم. انتهى. هذا؛ وذكرت لك في سورة (هود) رقم [٧١] أن إبراهيم-على نبينا، وحبيبنا، وعليه، وعلى جميع الأنبياء، والمرسلين ألف صلاة، وألف سلام-. قد تزوج غير هاجر، وسارة، وولد له، أولاد غير إسماعيل، وإسحاق.