يا إلياس ما تأمرني، فقذف إليه بكسائه من الجو الأعلى، فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل، وكان ذلك آخر العهد به، ورفع الله تعالى إلياس من بين أظهرهم، وقطع الله عنه لذة المطعم، والمشرب، وكساه الريش، وألبسه النور، فطار مع الملائكة، وصار إنسيا ملكيا، سماويا أرضيا.
قال ابن قتيبة: وذلك: أن الله تعالى قال لإلياس: سلني أعطك، قال: ترفعني إليك، وتؤخر عني مذاقة الموت، فصار يطير مع الملائكة. وقال بعضهم: كان قد مرض، وأحس الموت، فبكى، فأوحى الله إليه لم تبك؟ حرصا على الدنيا، أو جزعا من الموت، أو خوفا من النار؟ قال: لا، ولا شيء من هذا؛ وعزتك، إنما جزعي، كيف يحمدك الحامدون بعدي، ولا أحمدك، ويذكرك الذاكرون بعدي، ولا أذكرك، ويصوم الصائمون بعدي، ولا أصوم، ويصلي المصلون بعدي، ولا أصلي. فقيل له: يا إلياس وعزتي لأؤخرنك إلى وقت لا يذكرني فيه ذاكر. يعني: قبل يوم القيامة.
وقال عبد العزيز بن أبي روّاد: إن إلياس والخضر-عليهما السّلام-يصومان شهر رمضان في كل عام ببيت المقدس يوافيان الموسم في كل عام. وذكر ابن أبي الدنيا: إنهما يقولان عند افتراقهما عن الموسم: ما شاء الله! ما شاء الله! لا يسوق الخير إلا الله. ما شاء الله! ما شاء الله! لا يصرف السوء إلا الله. ما شاء الله! ما شاء الله! ما يكون من نعمة فمن الله. ما شاء الله! ما شاء الله! توكلت على الله حسبنا الله، ونعم الوكيل. وقيل: إن إلياس موكل بالفيافي، والخضر موكل بالبحار. وكان الحسن البصري-رحمه الله تعالى-يقول: قد هلك إلياس، والخضر، ولا تقول كما يقول الناس: إنهما حيان. انتهى. قرطبي وخازن، ونسفي بتصرف.
هذا؛ وذكر القرطبي قصة الله أعلم بصحتها، وفحواها: أن إلياس اجتمع بالنبي بفج الناقة عند الحجر، وهو راجع من غزوة تبوك، ولم أره لغيره، ونقله الجمل من الخصائص الكبرى للسيوطي. والله أعلم. هذا؛ ولم يذكر إلياس-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-في غير هذه السورة، وقد ذكر في سورة (الأنعام) رقم [٨٥] في جملة المرسلين فقط. ولم يذكره عبد الوهاب النجار في كتابه، ولم يذكر اليسع أيضا، ولكن الثعلبي قد ذكر قصتهما بإسهاب، والمعروف: أنه ينقل عن الإسرائيليات، وكثيرا ما ينقل الخازن عنه، والله أعلم.
{إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ} أي: بني إسرائيل: {أَلا تَتَّقُونَ:} ألا تخافون الله عز وجل، وتخشون حسابه، وعقابه. {أَتَدْعُونَ بَعْلاً:} اسم صنم لهم كانوا يعبدونه، وبذلك سميت مدينتهم بعلبك؛ التي هي موجودة في شرقيّ لبنان، وغربي شمالي دمشق. وهذا قاله ثعلب، ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة، عن ابن عباس-رضي الله عنهما-، ولابن عباس قول آخر؛ قال: ربّا. قال النحاس: والقولان صحيحان، والمعنى: أتدعون صنما عملتموه ربّا، ومنه سمي الزوج بعلا،