{إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ:} وهي امرأته، فإنها كانت تسر الكفر، واسمها: واهلة كانت من الغابرين، أي: الذين بقوا في العذاب. والتذكير لتغليب الذكور على الإناث، مثل قوله تعالى في حق مريم:{وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ}. هذا؛ والغابر: اسم فاعل من: غبر الشيء: بقي، وغبر أيضا: مضى، فهو من الأضداد، وبابه: دخل. انتهى. مختار. ولذا يمكن أن يقال: في غابر الأزمان، وحاضرها، كما يقال: في غابر الأزمان، وماضيها، وقال أبو ذؤيب الهذلي من رثاء أولاده:[الكامل]
فغبرت بعدهمو بعيش ناصب... وإخال أنّي لاحق مستتبع
وانظر الأضداد في الآية رقم [٥٧] من سورة (النمل) فإنه جيد. هذا؛ وعجوز: امرأة طاعنة في السن، ويقال أيضا: شهلة، وشهربة، وشهبرة، وشمطاء، وشيخة لكل امرأة طاعنة في السنّ.
قال صاحب مختار الصحاح: ولا تقل: عجوزة، والعامّة تقوله، والجمع عجائز، وعجز، وفي حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم:«إنّ الجنة لا يدخلها العجز».
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ:} أي: أهلكناهم، وكان الإهلاك بقلب قراهم، وجعل عاليها سافلها، ثم بإرسال حجارة من السماء عليهم. انظر ما ذكرته في سورة (الشعراء) رقم [١٧٠]، وما بعدها.
{وَإِنَّكُمْ:} خطاب لقريش وللعرب جميعا. {لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ} أي: تمرون على منازلهم، وديارهم في ذهابكم، وإيابكم إلى بلاد الشام للتجارة في الليل، والنهار، والصباح، والمساء، وكنت ذكرت لك مرارا: أن قرى قوم لوط كانت في بلاد الأردن، وهي من أرض الشام. هذا؛ وفي الآيات التفات من الغيبة إلى الخطاب، وهو ظاهر، وواضح، وللالتفات فوائد كثيرة؛ منها: تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر، والملال؛ لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات، والسآمة من الاستمرار على منوال واحد. هذه فوائده العامة، ويختص كل موضع بنكت، ولطائف باختلاف محله، كما هو مقرر في علم البديع، ووجهه حث السامع، وبعثه على الاستماع؛ حيث أقبل المتكلم عليه، وأعطاه فضل عنايته، وخصه بالمواجهة.
{أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي: أتشاهدون ديارهم الخربة، ومنازلهم المدمرة، ثم لا تعتبرون، ولا تخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم. هذا؛ والعقل: نور روحاني به تدرك النفس ما لا تدركه بالحواس الظاهرة، وكثيرا ما يتبجح بعض الناس، فيسأل: أين يوجد العقل؟. فهذا تبجح لا مبرر له، وانظر شرح النفس في الآية رقم [٢٨] من سورة (الروم). وسمي العقل: عقلا؛ لأنه يعقل صاحبه، أي: يمنعه من فعل الرذائل، والقبائح، لذا فإن كل شخص لا يسير على الجادة المستقيمة لا يكون عاقلا بالمعنى الصحيح، وخذ ما يلي:[البسيط]
لم يبق من جلّ هذي الناس باقية... ينالها الوهم إلاّ هذه الصّور
لا يدهمنّك من دهمائهم عدد... فإنّ جلّهم بل كلّهم بقر