للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو الاستعارة التصريحية، حيث شبه خروجه بغير إذن ربه بإباق العبد من سيده. {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ:} انظر الآية رقم [٤١] من سورة (يس).

{فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أي: المغلوبين المقهورين في القرعة. قال الفراء: يقال:

دحضت حجته، وأدحضها الله، وأصله من الزلق، قال الشاعر: [الوافر]

قتلنا المدحضين بكلّ فجّ... فقد قرّت بقتلهم العيون

و (ساهم): فقارع أهل السفينة، والمساهمة: إلقاء السهام على جهة القرعة، وقد كنت ذكرت لك في سورة (يونس) وسورة (الأنبياء) أن يونس-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-قد برم بقومه لطول ما ذكّرهم، فلم يذّكّروا، وأقاموا على كفرهم، وظن: أن خروجه بدون إذن من الله يسوغ حيث لم يفعله إلا غضبا لله تعالى وأنفة لدينه، وبغضا للكفر وأهله، وكان عليه أن ينتظر الإذن من الله في المهاجرة عنهم، فابتلي ببطن الحوت، فيكون المعنى: غضب على قومه من أجل كفرهم بربه، فخرج عنهم، وتركهم من غير إذن من الله، وخروجه بدون إذن من الله كان ذنبا منه.

وقال ابن عباس، ووهب: كان يونس قد وعد قومه العذاب، فتأخر عنهم، فخرج كالمستور منهم، فقصد البحر، فركب السفينة، فوقفت. وقيل: تلاعبت بها الأمواج حتى أشرفت على الغرق.

هذا؛ وذكر الطبري: أن يونس-عليه السّلام-لما ركب في السفينة؛ أصاب أهلها عاصف من الريح، فقالوا: هذه بخطيئة أحدكم-وكان من عادتهم: أن السفينة إذا كان فيها آبق، أو مذنب لم تسر. وكان ذلك بدجلة. انتهى. جمل نقلا عن الشهاب-فقال يونس، وقد عرف: أنه هو صاحب الذنب: هذه خطيئتي، فألقوني في البحر، فأبوا عليه؛ حتى أفاضوا بسهامهم. {فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} فقال لهم: قد أخبرتكم: أن هذا الأمر بذنبي، فأبوا عليه؛ حتى أفاضوا بسهامهم الثانية، فكان من المدحضين، فأبوا أن يلقوه في البحر؛ حتى أعادوا سهامهم الثالثة، فكان من المدحضين، فلما رأى ذلك؛ ألقى نفسه في البحر، وذلك تحت الليل، فابتلعه الحوت. انتهى. قرطبي.

{فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ:} ابتلعه الحوت. {وَهُوَ مُلِيمٌ} أي: آت بما يلام عليه، أو مليم نفسه، يقال:

ألام فلان: إذا فعل ما يلام عليه، فأوحى الله إلى الحوت: إني لم أجعله لك رزقا، ولكن جعلت بطنك له وعاء. فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة. وقيل: ثلاث ليال. وقيل: سبع ليال، وقال مجاهد: التقمه ضحى، ولفظه عشية، وأعتمد الأول، وهو قول السدي، والكلبي، ومقاتل بن سليمان، فنادى في الظلمات: {أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ}.

تنبيه: في شرعنا لا يجوز الاقتراع على إلقاء آدميّ في البحر، وإنما كان ذلك في يونس، وزمانه مقدمة لتحقيق برهانه، وزيادة في إيمانه، فإنه لا يجوز في شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم لمن كان عاصيا أن يقتل، أو يرمى به في النار، أو في البحر، وإنما تجري عليه الحدود، والتعزير على مقدار جنايته، ومن فعل ذلك بنفسه؛ فقد حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار، وخذ ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>